الأحد، 12 فبراير 2012

كتابات فى علوم القرآن 1 من 4



كتابات فى علوم القرآن

نشر الكاتب والمفكر الاسلامى عدنان الرفاعى عدة مقالات رائعه تعبر عن بحث دقيق فى علوم القرآن.... وللحق أقول , لم يتطرق باحث على مر السنين الى ما وصل اليه هذا الباحث الفذ من القاء الضوء على ماهية وحقيقه كلام الله وقوله للبشر.  الأبحاث فى حد ذاتها تحتاج الى مناقشه مجتمعيه موسعه, وحوارات كثيره لأن المطروح يقنع كل من له عقل ويبحث عن الحقيقه, أما الموروث العميق أحيانا والسفيه أحيناً أخرى لا يعبر عن حقيقه المراد بقول الله لنا كبشر.
وبناء عليه قررت نشر مقالاته على المدونه لعلها تكون بدايه فتح باب النقاش للوصول الى الحقيقه والتى أمرنا الله تعالى بالبحث عنها بأنفسنا لا بأقوال السفهاء والمتاجرين بالدين.
أرجو ان يوفقنى الله فى طرح هذا الفكر والنقاش حوله....
                                                                                                  طارق عبد الحميد

المفردات القرآنيـّة لغـة السـماء
بقلم / عدنان الرفاعى

.. المفردةُ اللغويّةُ هي الوعاءُ الحاملُ للدلالاتِ التي وُضِعتْ هذه المفردةُ من أجلِها .. ولذلك فجميعُ المفرداتِ اللغويّةِ الوضعيّةِ متأخِّرةٌ – في وضعِها – عن المعاني والدلالات التي تحملُها .. فالمعاني والحقائقُ والمشاعرُ تكونُ موجودةً ، وبعدَ ذلك يُوضعُ اللفظُ لها ..
.. نحن البشرَ عندما نكتشف شيئاً جديداً في هذا الكون لم نعرفْهُ مسبقاً ، وَ حينما نصنعُ شيئاً ما ، ونريد أن نسمّي تلك الأشياءَ التي لم نعرفْ لها مسمّياتٍ مسبقة ، فإنّ التسمياتِ التي نُطلقها على الأشياءِ تتصفُ بالصفاتِ التالية :
1 - ترتبطُ هذه التسمياتُ بدرجةِ إدراكنا لماهيّةِ المسمّيات .. فالتسميةُ بمقدارِ ما تصوّرُ حقيقةَ الشيءِ ، بمقدارِ ما تكونُ قريبةً من وصفهِ الوصفَ الحق ، وبالتالي فالتسميةُ الحقُّ للشيء والخاليةُ من كلّ عيبٍ ونقص ، تقتضي إدراكاً كاملاً لماهيّةِ هذا الشيء ، فبمقدارِ نقصِ إدراكِنا لحقيقةِ الشيء الذي نريدُ تسميتَهُ ، تنقصُ تسميتُنا له عن مستوى التسميةِ الحق ..
2 - ترتبطُ تسميتُنا للشيءِ بقدرتِنا على وصفِ ما أدركنا من ماهيّة هذا الشيء ، وصياغةِ هذا الوصفِ في قالبٍ لُغوي .. وبالتالي بمقدارِ ما تكونُ قدرتُنا على وصفِ ما أدركناه أكبر ، بمقدارِ ما تكونُ تسميتُنا لهذا الشيء أقربَ إلى التسميةِ الحق ..
3 - ترتبطُ تسميتُنا للشيءِ بدرجة إدراكِنا لحيثيّاتِ تغيّرِ ماهيّةِ هذا الشيءِ مع الزمن ، وبدرجةِ إدراكِنا لحيثيّاتِ إدراكِ الأجيالِ المتلاحقةِ لهذا التغيّر .. وبالتالي تكونُ تسميتُنا للشيءِ أقربَ إلى التسميةِ الحقِّ ، وإلى وصفِ حقيقةِ الشيءِ للأجيالِ المتلاحقةِ ، بمقدارِ علمِنا بتغيّرِ ماهيّةِ هذا الشيءِ مع الزمن ، وبمقدارِ علمِنا بتغيّرِ إدراكِ الأجيالِ المتلاحقةِ لماهيّةِ هذا الشيء ..
وما أكثرَ الأسماءَ التي نطلقُها على الأشياء ، ثمّ نكتشفُ بعدَ فترةٍ أنّها تصفُ نقيضَ ما تَحمِلُه هذه الأشياءُ من صفات ، أو على الأقل لا تصفُ الأشياءَ وصفاً سليماً ، وذلك لأنّنا لم نكنْ نعلمُ حقيقةَ هذه الأشياء ..
نحن البشرَ نُسمِّي الأشياءَ كما نريدُ غيرَ مهتمّين بارتقاءِ تسميتِنا إلى مستوى التسميةِ الحق ، ولو كُنّا كالملائكةِ في اتِّباعنا للحق ، وسنحاسبُ على تسميتِنا للأشياء ، إذا ابتعدتْ تسميتُنا عن التسميةِ الحق ، لما تجرّأنا على تسميةِ شيءٍ واحد .. هذه الحقيقةُ بيّنها اللهُ تعالى في القرآنِ الكريم بشكلٍ واضحٍ جليٍّ حينما صوّرَ لنا طلبَه من الملائكةِ بأن يُنبئوه بأسماءِ الأشياء ..
( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) ( البقرة : 32 ) ..
 .. حينما عرضَ اللهُ تعالى الأشياءَ على الملائكة وطلب منهم أن يُنبئوه بأسمائِها ، لم تستطعْ الملائكةُ أنْ تُنبىءَ بالأسماءِ الحقِّ للأشياء ، لأنّها لم تستطعْ أن تعلمَ العِلمَ الحقَّ لماهيّةِ هذه الأشياء ، لذلك قالت الملائكةُ .. ( سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ) .. ولو كان الأمرُ مُجرّدَ تسميةٍ كما نُسمّي نحن الأشياءَ  دونَ الارتقاءِ إلى التسميةِ الحق ، لَمَا كانتْ هناك مشكلةٌ أمامَ الملائكةِ ، ولسمّتها كما نسمّي نحنُ الأشياء ، ولكنَّ التسميةَ المطلوبةَ هي التسميةُ الحقُّ ، التي تصفُ وصفاً تامّاً حقائقَ الأشياء ..
.. ولمَّا كانتْ نفوسُنا – في عالمِ الدنيا – محكومةً بقوانينِ عالمِ الزمان والمكان الذي تنتمي إليه أجسادُنا .. وبالتالي كانت تصوُّراتُنا محكومةً للصورِ الحسيّةِ التي نكتسبُها في حياتِنا من عالمِ الأشياءِ المحيطِ بنا .. فإنَّ كُلَّ القوالبِ اللغويّةِ التي نستطيعُ وضعَها كأوعيةٍ حاملةٍ للمعاني والمشاعرِ التي تجولُ في أنفسِنا ، مَسبوكةٌ من جزئيّاتِ عالمِ المادّةِ والحسِّ الذي اكتسبنا منه كُلَّ صُورِنا الحسيّةِ تلك ..
.. لذلك نرى أنّنا نستخدمُ بعضَ الألفاظِ التي وضعناها ، في غيرِ المعنى الذي وُضِعَت له .. فما بين المعنى الذي وُضعت له ، والمعنى الذي نستخدمُ تلك الألفاظَ له ، مُجرَّدُ علاقةٍ بينهما ، وهي ذاتُها العلاقة التي نتصوَّرُها رابطةً بين المعاني المُجرَّدةِ عن عالم الحسِّ والمادّةِ في نفوسنا ، وبين ما نتصوّرُهُ تجسيداً لها في عالمِ المادّة .. وهذا ما يُسمى بالمجاز ..
.. وهكذا فالألفاظُ الوضعيّةُ ، نستخدمُها إمّا على الحقيقةِ ، حينما نستعملُها في المعنى الذي وُضِعَت له ، وذلك في تعبيرِنا عن موجوداتِ عالمِ الخلق ، الذي تمّت صياغةُ تلكَ الألفاظِ من تفاعلِ نفوسِنا مع عالمِه .. وإمّا على المجاز حينما نستخدمُها في غيرِ ما وُضِعَتْ له ، وذلك في تعبيرِنا عن معانٍ ودلالاتٍ معنويّةٍ لا تنتمي إلى موجوداتِ عالمِ الخلق ..
.. فحينما نقولُ لإنسانٍ : يَدُكَ طويلةٌ .. فإنّنا نعني على الحقيقةِ طولَ يدِهِ الحسيّةِ .. ونعني على المجازِ كِبَرَ وقوّةَ سيطرتِهِ على الأمورِ ، وسهولةَ وصولِه إلى مُرادِه .. فحقيقةُ اليدِ بالنسبةِ لنا في عالمِ الخلقِ ، هي اليدُ المعروفةُ من دمٍ ولحمٍ وعظم .. بينما قُدرةُ الإنسان على تناوُلِهِ للأمورِ مسألةٌ نتصوّرُها بأذهاننا ، ولا نستطيعُ أن نُجسِّدَها بشيءٍ من أشياءِ عالمِ الخلق .. وهكذا فالمجازُ هو الاستعمالُ المعنويُّ لهذه الكلمةِ ، والحقيقةُ هي استعمالُها في التعبيرِ عن الحيثيّات الماديّة التي تنتمي إلى عالمِ الخلقِ الذي فيه تمّت صياغةُ لفظةِ اليد ..
.. وهكذا .. لا يمكنُ لألفاظٍ وضعيّةٍ أنْ تَتَّسِعَ – على الحقيقةِ – لدلالاتٍ أكثرَ من سعةِ علمِ واضِعها ، وذلك في تسميةِ كائناتِ عالمِ الخلق .. ولا يُمكنُها أبداً تصِفَ موجوداتِ عالمِ الأمر ، إلاّ على سبيلِ المجازِ ، ومن منظارِ علمِ واضعِ تلك الألفاظ ..
.. وقد أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى مسألةِ تسميةِ البشرِ للأشياءِ بأسماءٍ ما أنزلَ اللهُ تعالى بها من سلطان ، فكانت هذه الأسماءُ بعيدةً كلَّ البعدِ عن حقيقةِ الأشياء المُسمّاة

 ( إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )  ( النجم : 23 ) ..

.. وإضافةً إلى أنّ تسميتَنا للأمورِ والأشياءِ ناقصةٌ عن التسميةِ الحق ، بسببِ علمِنا الناقصِ عن العلمِ الكاملِ بِحقيقةِ هذه الأشياء ، فإنّ هذه التسميةَ ذاتُ خصوصيّةٍ فرديّةٍ وقوميّة ، فقد تختلفُ تسميةُ الشيءِ ذاتِه من فردٍ لآخر ، ومن أمّةٍ لأُخرى ، حسبَ المناظيرِ المختلفةِ التي تنظرُ منها الأممُ وأفرادُها إلى هذا الشيء ، وحسبَ درجاتِ علمِهِم بماهيّتِهِ عبرَ الأزمنة ، وحسبَ قُدُرَاتِهم المختلفةِ على الصياغة ..
.. ولمّا كانت حقيقةُ الأمورِ والأشياءِ ، فوقَ الرؤى المختلفةِ التي تنظرُ منها المخلوقاتُ إلى هذه الأمورِ والأشياء ، ولمّا كانتْ حقيقةُ الأمورِ والأشياءِ لا يعلمُها أحدٌ كعِلمِ خالقِها جلّ وعلا ، ولا يستطيعُ أحدٌ غيرُ اللهِ تعالى ترجمةَ هذا العلمِ المطلقِ إلى صياغةٍ مطلقةٍ تُصوّر تصويراً مُطلقاً حقيقة هذه الأمورِ والأشياء ، فإنَّ التسميةَ الحقَّ والتي تصفُ وصفاً مطلقاً حقيقةَ المُسمّى لا تكون إلاّ منَ اللهِ تعالى ، فارتباطُ الذواتِ المسمّاةِ من اللهِ تعالى بأسمائِها ، يماثلُ تماماً ارتباطَ المادّةِ بصورتِها ..
.. فحتى تكونَ المُفرداتُ القرآنيّةُ تِبياناً لكلِّ شيءٍ ، وكاملةً ومطابقةً مطابقةً تامّةً للمعنى ، لا بُدَّ أن يكونَ صائغُها ، فوقَ عالمي الخلقِ والأمرِ ، على حدٍّ سواء ..
.. فلمّا كانت الكلمةُ المقولةُ الوعاءَ الذي يحوي المعنى ، فإنَّ التسميةَ المُطلقةَ تقتضي عِلماً مُطلقاً في المعنى ( الكلام ) ، وعِلماً مُطلقاً في الوعاءِ المَصوغِ لاحتواءِ المعنى ( القول ) .. وأيُّ ابتعادٍ عن المطلقِ في المعنى أو في الوعاء ، تَفْقِدُ التسميةُ مُطلقَها ..
.. ولمّا كان القرآنُ الكريمُ تِبياناً لكلِّ شيءٍ كما يؤكِّد مُنَزِّلُهُ جلّ وعلا ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ) ( النحل :  89 ) ، فهذا يقتضي أنْ تكونَ الأسماءُ الحقُّ التي علَّمَها اللهُ تعالى لآدمَ من جملةِ الأشياء التي نزلَ القرآنُ الكريم تِبياناً لها ، حيث نزل تِبياناً لكلِّ شيءٍ ..

وللحديث بقيه............