الاثنين، 3 ديسمبر 2012

الدولة الحُرَّة مَطْلَب قرآني

               الدولة الحُرَّة مَطْلَب قرآني

 

بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمدُ لله على عِبادِه الذين إصْطَفى 



.. لمعرفة درجة التناقض في فكر الداعين إلى دولة دينيّة ، ولمعرفة درجة الحاجة للدولة الحرّة ، أبدأ هذا البحث بطرح التساؤل التالي على المطبِّلين والمزمِّرين لقيام دولة دينيّة حسب أهوائهم المذهبيّة والطائفيّة ، فأقول لهم : في مجتمعكم الإنساني كأيِّ مجتمع عادي يتكوَّن من مذاهب مختلفة وطوائف مختلفة وأديان مختلفة وثقافات مختلفة .. هل تُكفِّرون الطائفة الفلانيّة المختلفة مع طائفتكم ، أو المذهب الفلاني المختلف مع مذهبكم ، أو الدِّين الفلاني المختلف مع دينكم ، أم لا ؟ .. وهل هم – في معتقدكم – بسويّة عقديّة واحدة معكم ؟ .. وهل ترضون أن تنقادوا لهم في دولة دينيّة مبنيّة على معتقدات تلك المذاهب والطوائف والأديان التي تختلفون معها ، أم لا ؟ ... وعندها سنكون في إجابتهم أمام احتمالين :
1 – إمّا أن يكونوا كاذبين ويقولوا لنا : نحن لا نعتقد أنّهم كافرون ، ولا نعتقد أنّهم بمستوى أقل منّا في العقيدة ، ولا مشكلة عندنا في أن ننقاد لهم في دولة دينيّة مبنيّة بدستورها وأحكامها على مبادئ مذاهبهم وطوائفهم وأديانهم التي نختلف معها .. وهنا نسألهم : ما الفائدة إذاً من دعوتكم لهذه الدولة الدِّينيّة المبنيّة على خصوصيّاتكم المذهبيّة والطائفيّة والدِّينيّة ؟!!! .. أنتم أيّها السادة بإجابتكم هذه ( غير الصادقة ) تدعون لدولة مدنيّة حرّة .. ولو فرضنا جدلاً أنّكم صادقون بعدم النظر إلى الآخرين على أنَّهم ليسوا أقلَّ منكم عقيدةً ، وترضون بدولتهم الدِّينيّة ، لو فرضنا ذلك جدلاً ، فهل تضمنون لنا أنَّ الآخرين من المذاهب والطوائف والأديان الأخرى من أبناء وطنكم سيلتزمون بالقوانين المبنيّة على خصوصيّاتكم المذهبيّة والطائفيّة والدِّينيّة ؟!!! ..
2 – وإمّا أن يكونوا صادقين ويقولوا لنا : نحن نعتقد أنَّهم كافرون ، أو على الأقل أنّهم أقلُّ منّا عقيدة ، وأنَّهم ليسوا بسويّتنا في اتّباع منهج الله تعالى .. وعندها نسألهم : كيف إذاً ستقبلون هؤلاء الآخرين كشركاء موازين لكم في وطن واحد ، وهنا ستكون إجابتهم أمام احتمالين :
أ – أن يقولوا لنا : لا علاقة لمعتقدنا بهم ولنظرتنا لهم في ذلك بشراكتنا معهم في وطن واحد .. وهنا نسألهم : ألا يؤدّي كلامكم الجميل هذا إلى فصل الدِّين عن السياسة ، ذلك الفصل الذي تحاربونه أنتم أبشع حرب ؟!!!!!!! ..
ب – أو أن يقولوا لنا : نعم هناك علاقة لمعتقدنا بشراكتهم معنا في وطن واحد ، وهنا نسألهم : ألا يؤدِّي ذلك إلى تقسيم أبناء الوطن الواحد إلى درجات في المواطنة ، تؤدِّي في النهاية إلى تقسيم الوطن الواحد ، بحيث تكون درجة المواطنة تابعة لدرجة الاقتراب من معتقدكم ؟!!! ..
ونعود فنسألهم : كيف تطبِّلون وتزمِّرون لإقامة دولتكم الدِّينيّة حسب مقاسات أهوائكم المذهبيّة والطائفيّة في المجتمعات التي يُكوِّن سكّانها (( من أتباع مذهبكم وطائفتكم ودينكم )) غالبيةً فيها ، في الوقت الذي لا تمانعون فيه من إقامة دولة مدنيّة حرّة في المجتمعات التي يكوِّنون فيها أقليّة ؟!!! .. وكيف تفرضون على غيركم ما لم تقبلوه لأنفسكم ؟!!! .. وماذا نسمِّي ذلك ؟!!! ..
.. ففي كلِّ الاحتمالات نرى أنَّ فصل الدِّين عن السياسة ضرورة دينيّة ، وضرورة وطنيّة ، وضرورة إنسانيّة .. إنَّ ربط الدِّين بالسياسة كما يُنظِّر زاعمو الدولة الدِّينيّة ، تحت مظلة شعارات برّاقة تخطف أبصار السذّج ، لا يختلف عن ربط الوطن بالنظام السياسي ورأس هرمه ، كما تنظّر الشموليّات السياسيّة ..
ففي الأنظمة الشموليّة سياسيّاً يتمّ ربط النظام ورأسه بالوطن ، وبالتالي فإنَّ أيَّ نقد للنظام السياسي يراه النظام هجوماً على الوطن ، ويتمّ اتّهام الناقد بالخيانة والعمالة .. وبالمقابل كلُّ دفاع عن الوطن عبر ساحته المحكومة بهذه الشموليّة وبشكلٍ مجرَّد عن السياسة ، تنظر إليه المعارضة على أنَّه تأييد للنظام ونفاق له ..
كذلك في الشموليّات المحسوبة على الدِّين ، فإنَّ نقد النظام السياسي ورأسه في هذه الشموليّات ، يراه النظام ورأسه على أنَّه هجوم على الدِّين ، ويُتَّهم الناقد بالكفر والزندقة والخروج على الحقِّ وبأنّه ضد الدِّين .. وبالمقابل كلُّ مدافع عن الدِّين عبر ساحة الوطن المحكوم بهذه الشموليّة ، تراه المعارضة السياسيّة نفاقاً للنظام السياسي ..
.. من هنا نرى أنَّ ربط النظام السياسي بالوطن في الأنظمة الشموليّة سياسيّاً هو قضيّة موازية تماماً لربط السياسة بالدِّين في الأنظمة الشموليّة مذهبيّاً وطائفيّاً .. وفي كلتا الحالتين نحن أمام حالة تُعَبِّر عن عدم قبول الآخر كشريكٍ وكموازٍ في الحقوق والواجبات ، سواء في الانتماء الوطني أو في المشترك الإنساني ..
.. إنَّ قبول الآخر كموازٍ في الإنسانيّة ، وعدم الاستعلاء عليه ، مهما كان دينه ومذهبه ، هو من أهم القيم النبيلة التي جاءت بها الأديان ، وبالتالي فإنَّ عدم فصل الدِّين عن السياسة هو عملٌ تنقضه أهم المبادئ التي تحملها الأديان السماويّة ..
.. وكذلك فإنَّ قبول الآخر كموازٍ في المواطنة ، وعدم الاستعلاء عليه ، مهما كان فكره وانتماؤه السياسي ، هو من أهم الأهداف النبيلة التي تسعى إليها السياسات الصادقة ، وبالتالي فإنَّ عدم فصل النظام السياسي عن المتاجرة بالوطن هو عملٌ تنقضه أهم مبادئ المواطنة ..

من كتاب : الدوله الحره مطاب قرآنى
للمفكر الإسلامى المهندس/ عدنان الرفاعى