السبت، 7 فبراير 2015

رحلتى مع الإيمان ...............طارق عبد الحميد



     رحلتى مع الإيمان
       طارق عبد الحميد


لم أتوقع يوما ،أو أتخيل نفسى كاتبا لهذه السطور التى بين أيديكم.  فقد كنت ذات يوم من الأيام طالبا بجامعة الأزهر، أدرس اللغات والترجمه، ذلك بالإضافه الى المواد الشرعيه كما أسميناها، ومنها الحديث والتفسير وتاريخ الخلفاء الراشدين، وحصلت على الإجازه العليا ــ كما يطلقون عليها بالأزهر ــ أى الليسانس.   وكنت ممن يُطلق عليهم أكثر الطلاب جدلاً.. وكثيراً ما طُرِدت من محاضرات التفسير أو الحديث بسبب رد ما أفصحت به، أو تعليق ما ذكرته فى معرض المحاضره.
فمثلا، فى محاضرة من المحاضرات، كان الشيخ الجليل يسرد لنا حديث ــ منسوب ــ لرسول الله يقول أن موسى جاءه ملك الموت ففقأ موسى عينيه، خرج منى عفويا أن قلت" يظهر موسى ده كان واد جن علشان علشان يفقع عين العفريت" وطبعا النتيجه كانت معروفه (بره يا فاسق).  وفى محاضرة تفسير مثلا كان  شيخٌ جليلا يشرح آيات الخمر وبدأ بسرد أول آيه نزلت فى الخمر كما يدعون " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ............."   البقرة (219)   ثم إنتقل إلى قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ......   (النساء 43) ثم الى قوله تعالى. "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ... ..(المائده 90 )، ثم قال أن هذه الآيه نسخت التى قبلها، فسألت ببراءه الجاهل الذى لا يعرف ما النسخ، فكان رده أن الله قد ألغى حكم الآيه السابقه وإستبدله بحكم تلك الآيه الأخيره، وهنا كالعاده قلت  ردى، فقلت نصاً " أه، فهمت يعنى ربنا رجع فى كلامه، وقال خذوا دى مكان دى... وإنفجر المدرج كله    ضاحكاً، ويا ليتهم لم ينفجروا، فقد إنفجر الشيخ فىّ وكأننى شيطان رجيم ساردا وابلا من السباب عن  الخروج عن الأدب مع الله، ونصوصه، وعن فسقى وزندقتى وهرطقتى، وكلمات أخرى لم أسمعها أثناء خروجى خوفاً من أن يطلب حرقى كالمهرطقين، صحيح لم يتهمنى بالكفر وهذه حقيقه ولكنه ألمح بأننى فى الطريق إليه بإذن الله لو إستمر حالى وجدلى على هذا.. وكانت نصيحة أصدقائى وزملائى الطلاب وأذكر منهم بليغ، وعبد الهادى، وعلى سلطان أن قالوا لى لا تجادل يا طارق، فهناك قاعده شرعيه تقول "لا عقل مع نَصْ" أى فى حال وجود النَص إلقِ بعقلِك فى أقرب صفيحة قمامه.
إستمر الزمن يجرى بى وأنا فى شك وريب من كثير من الأمور، ولكن لا أجد من يزيل الغمام ويضع لى مكان هذا الشك قيمه حقيقيه أرتبط بها.. إلى أن جاء يوم عدت فيه مصادفة من عملى مبكراً، وكان صوته فى التلفاز وكانت أمى ــ رحمها الله ــ تتابعه.  لم أعره إنتباها فى بداية الأمر وقلت نصاً " وآدى واحد تانى جاى يخرف لنا تخريفات جديده..... هى ناقصاك إنت كمان.." فقالت لى أمى بس كلامه معقول إسمع بس..
لم أسمع سوى دقيقتين، ثم قال نتحدث غداً عن الناسخ والمنسوخ، وكيف أنه أكذوبه كبرى.. وتذكرت طبعاً وابل السباب الذى تلقيته من سنوات عديده، وأنا فى قاعة الشيخ محمد عبده تقريباً على ما أذكر.. وفى اليوم التالى تركت العمل مبكراً  لأستمع الى الحلقه من أولها، وكان خطاب الضيف وكأنه الكنز الذى كنت أبحث عنه من سنين لا أعرف عددها حصرا.. ومع تركيزى فيما يقول لم ألتفت إلى إسمه وكنيته.. بل كان تركيزى منصبا على ما قال وما نكأ من جراح عندى.
 وفى اليوم التالى تكرر منى نفس الشئ، تركت العمل لألحق بالبرنامج، ولحقت به وان المذيع يشكر الضيف فعرفت إسمه، .. إسمه فقط.
دخلت غرفة المكتب بالمنزل، وجلست أبحث عن هذا الإسم على النت.. ووجدت له موقعا بإسم الذكر، وكتبا عديده بنظام الـ بى دى إف، وبدأت أتصفح مقالاته، وأمى وزوجتى ينادون علىّ، الأكل جاهز، هتتغدا أم لا.. ولا حياة لمن تنادى، فقد غرقت لأم رأسى فيما كنت أقرأ وأتذكر أنها كانت مقال بعنوان " القرآن لغة السماء".. وكم كنت أرتجف وأنا أقرأ، هذا الكلام لم يقله أحد من قبل، ولم يقع بين يدى مثله قبل الآن.. وفى نهاية المقال كانت المفاجأه، إسم كاتب المقال، وبريده وعنوانه ورقم هاتفه .. فما كان منى إلا أن أرسلت له ملاحظه وجدتها فى مساء نفس اليوم وأنا أقرأ كتابه (المعجزه الكبرى) على جهاز الحاسب الآلى أيضا.. وفوجئت به يرد علىّ بعد 24 ساعه، لم أصدق، فكتبت ثانية ورد للمرة الثانيه..وإتصلت بالرقم الذى على الموقع فإذا به يرد عليّ وتعارفنا ..
هذا الكاتب والمفكر والمبدع حقاً فى مجاله هو المهندس/ عدنان الرفاعى، صديقى العزيز الآن، والذى أرجو أن أكون عنده بنفس القدر الذى هو عندى.. هذا الرجل الذى فتح لى طريقا للمعرفه .. كنت أود أن أسلكه من سنوات طويله مضت.  وحضر الى القاهره من دمشق وإلتقينا وكان لقاءً ذو شجون، بكيت كالطفل الذى وجد عزيز عليه إفتقده لأعوام بل عقود مضت، وبكى هو لبكائى، فكم هو رقيق المشاعر.  وكان معى فى هذا اللقاء صديق لى وهو الأستاذ/ سمير سالم والذى قال له " نحن نبحث عن شخص مثلك منذ سنوات.. وكنا، سمير وأنا قد إشترينا منذ أيام قليله مضت بعضاً من مؤلفات الأستاذ، نعم بلا شك الأستاذ.
وبعد أيام إصطحبنى معه المهندس عدنان إلى صالون ثقافى يقام الخميس الأول من كل شهر فى مكتب الأستاذ المستشار/ أحمد عبده ماهر ــ وهو محامٍ معروف وكاتب ومفكر إسلامى أيضاً ــ فى محاضرة عن السيد المسيح صلوات الله وسلامه عليه وعلى الأنبياء جميعاً.. ووجدت نفسى وسط جماعه تبحث عن الحقيقه، أناس أفنوا حياتهم فى البحث عن حقيقه الإسلام، وشعرت بمدى تقصيرى فى هذا كل تلك السنين.. وكانت بداية صداقتى للأستاذ أحمد ماهر والتى أرجو أن أكون عنده كذلك.. فهو أيضا شخص نقى، دمث الخلق، بحث فى حقيقة الإسلام لسنوات وسنوات، ووجده منافيا تماما لما قالوه لنا سواء فى المدارس أو الجامعات أو المساجد، وخطبة الجمعه التى أخذ منها أغلبنا دينه مع الأسف الشديد.
وظهر أبو عصام فى المعادله، صديق الأستاذ عدنان أيضا، شخص جميل، طيب، وخلوق.  ثم حضر معنا جلسة نقاش الأستاذ / ياسر بيك، وله دور فى حياتى بعد ذلك، وكان لقاءنا الأول فى جروبى مصر الجديده لم أكن أعرفه آن ذاك حق المعرفه، ثم إزدادت القربى والصداقه بينناً وتبادلنا اللقاءات، فإذا بى أكتشف مدى    صدقه وتفهمه للحقيقه وذلك لقربه من الأستاذ، نعم الأستاذ عدنان الرفاعى.
وإستمر اللقاء بالأصدقاء، فظهر المهندس/ خالد إسماعيل صديق آخر عزيز علينا جميعاً، وجلسات الحوار معه لا تتوقف عن الإبداع فى السؤال ويتكرر الإبداع فى الإجابه من عدنان وياسر وخالد، وهو نفسه مصمم غلاف هذا الكتاب الذى بين أيديكم الآن.
وسافر عدنان الى سوريا ليكون بجانب أسرته ووالديه فى هذا الكرب الذى تعيشه سوريا الحبيه على قلب كل مصرى أصيل.. وشعرنا بأننا إفتقدنا عزيز لدينا، بحثنا عنه سنينا لنجده، ثم إختفى من جديد، والمصيبه أن الدوله أوقفت دخول السوريين لمصر بسبب الإرهاب المشتعل فى سوريا وخوفا على مصر من أن تكون ضمن منظومة الإرهاب العالميه المنظمه التى تجتاح العالم، مع أن فكر هذا الرجل ونهجه هو الأقرب لإصلاح ما أفسده الدهر فى ألف سنة مضت من الضلال الفكرى الذى عشنا فيه..
ثم كانت قناة المحور، وشيخ معمم يرد على شيخ سلفى قال له البخارى مفخرة الإسلام، وما كان من هذا الشيخ المعمم إلا أن قال " بل البخارى مسخرة الإسلام".  فما كان منى إلاّ أن بحثت عن هذا الذى يقول أن البخارى مسخره وأرسلت له رساله عبر موقع التواصل الإجتماعى (الفيس بووك) وإذا به يرسل لى رقم هاتفه وإتصلت به فورا وتقابلنا فى اليوم التالى مباشرة فى وسط القاهره.. وكان هذا هو الشيخ محمد عبد الله نصر، ومنذ ذلك الحين لم نفترق، وكنا نلتقى مرتين أو ثلاث مرات فى أسبوع واحد.. وإزدادت العلاقه اقترابا. إلى أن طلب منى أن نشترك فى إعداد كتاب عن الحديث فى البخارى ومسلم وما سببته تلك الروايات والأحاديث فى الحاله التى عليها مجتمعنا الآن وبالذان مع ظهور حركات مثل القاعده وداعش وما شابه ذلك..
وللحق أقول لكم، أن ما أكتبه ليس قدحا فى البخارى أو مسلم أو أيا من هؤلاء المفكرين والكتبه، الذين حاولوا أن يقدموا لنا مأثوراتهم التاريخيه.. تماما كما قدم إبن سينا وإبن النفيس مأثوراتهم العلميه.. ولكن البخارى ومسلماً للأسف قد تم تقديسهم ورفعهم إلى مراتب الأنبياء والصديقين، ذلك لمجرد أنهم نقلوا ما إعتقدوا بصدق سنده، وأكرر سنده، من أفواه الأولين.
فتلك الكتب ما هى الّا كتب بحثت فى أسانيد الروايات، ولم يهتم أحد بالمتن ــ أى موضوع الروايه نفسها ــ من البحث والتدقيق إلا القليل، أما الكثيرٌمن البشر ومن نطلق عليهم علماء الأمه مع الأسف، فكان كل ما يهمهم صحة السند ولهذا قالوا فيما قالوا أنه أصدق كتاب بعد كتاب الله، وسار فى دربهم الكثير، مغيبين عن الواقع وعن الحقيقه لدرجة وصلت إلى أن أغلب أحكامنا الفقهيه مأخوذه من أحاديث ضعيفه.. هذا مع إعتبار التصنيف الذى حدده هؤلاء العلماء من حديث ضعيف وآخر صحيح وآخر مقطوع وهذا موصول .. الخ تلك التوصيفات التى أفردوها علينا.  ومن ثم إخترعوا علما جديدا اسمه (الجرح والتعديل) أى علم الرجال كما يقولون، وفيه يصنفون الرجال، هذا صادق وهذا كاذب، هذا شخص موثوق به وآخر لا يمكن الوثوق به والثالث لا غبار عليه والرابع فى شك من أمره.. وهو علم أطَلقتُ عليه أنا إسم (علم النوايا الحسنه).. ولكنه مع الأسف علم يتم تدريسه فى جامعة الأزهر وكم من رسالات الماجيستير والدكتوراه ــ العالميه الأزهريه ــ قد منحت لمثل تلك الأعمال والبحوث.
ولم تناقش على مدار الف سنه منذ إنشاء الأزهر رساله واحده تبحث فى القرآن سوى بلاغة البيان وجمال التبيان.
لم يجرؤ أحد على مناقشة متن الأحاديث سوى ــ على حسب علمى ــ المفكر عدنان الرفاعى  وبعض السلف الذين طعنوا فى السند قبل المتن ــ أى نص الحديث نفسه أو الروايه ــ.. ولم يجروء أحد على مناقشة وفضح ما يقوم الأزهر بتدريسه لطلابه من فقه وتفسير إلا حسب معرفتى المحدوده المستشار/ أحمد ماهر.. وكل هذا فى سنوات قليله مضت لم تزد عن عشرون سنه، إلا قليلا. 
أما الآن، فقد ظهر تيارا أطلقوا على أنفسهم اسم تيار التنوير، ذلك بعدما ظهر تيار أطلقوا عليه إسم تيار الإلحاد، وهم من لا يؤمنون أو يقتنعون بأن هذا الموروث هو الإسلام.. فكلاهما ــ التنويريون والملحدون ــ كما يُطلَق عليهما، نصلا سكين واحد، كلاهما لا يؤمنون بالموروث، ولكن أحدهما يرغب فى إظهار الحقيقه ـ حقيقة الدين ــ التى أخفاها التراث فى أكثر من ألف سنه، والآخر ـ تيار الإلحاد ــ فقد البوصله تماما فى إمكانية التجديد.  ويرى أنه لا بد من هدم كل ما سبق والبدء من جديد.
وهنا تقبع المشكله، بين من يتبنى فكرة أن الموروث صحيح، وأن من يناقشه يحارب الإسلام ودين الله، وهو فاسد العقيده، فاسد الذمه، ممكن أيضا كافر ومنكر للسنه، قرآنى ولا يقدس الصحابه كما أمرنا رسول الله بأنهم أصحابه بأيهم إقتديتم إهتديتم كما يدعون طبعا.. وبين عدم إبرازهم لأحاديث مثل "لا تكتبوا عنى غير القرآن" أو مثلا رواية عمر " أكتاب مع كتاب الله تبغون" .. أو مثلا "كمثناة أخرى مثل مثناة اليهود" ويقصد بها هنا كتاب التلمود بقسميه المشناه والجمارا. وهوكتاب التعاليم عند اليهود.  ومع أن عابدى التراث يقرون بأن كثير من الإسرائيايات ملأت التراث إلا أن أحدا منهم لم يحدثنا عن تلك الإسرائيليات فى البخارى أو مسلم مثلا.. وهذا ما أوضحت أمثلة له فىما كتبت.
وبعد أن عرفت الحقيقه، وأن كتاب الله وحده به ما يكفى البشر ويزيد، وأن الروايات والأحاديث ، ومع قناعتى الكامله بأنه يجب معايرتها جميعا على القرآن الكريم وفقط القرآن الكريم، وما وافقها نأخذ بها وما خالفها علينا أن تركه وعدم الإلتفات إليه، بأى حال من الأحوال..  هل هذا خطأ منى أم أن رحلتى تلك التى سردتها ايست إلا رحله الى المجهول، لا يعرف أحد مآلها الا الله تعالى؟ .. هل أخطأت، أفيدونى؟ !!
وأخيرا، أقول لكل من هاجمنى فى يوم ما، أو إعترض على ما أكتب أو كتبت فى يوم ما أن أذكرهم جميعا بقول الله تعالى :-
" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ"  " البقرة (281).