الاثنين، 6 مايو 2013

أيهما تصدق .. قول الله أم أحاديث الرواه حقيقة صَلْبْ المسيح عليه السلام




أيهما تصدق ..
قول الله أم أحاديث الرواه
حقيقة صَلْبْ المسيح عليه السلام


من كتاب قصة الوجود
للمفكر والباحث الإسلامى / عدنان الرفاعى
القرآن يقول أن المسيح عليه السلام تم وضعه على الصليب، وتقول الروايات أنه لم يُصْلَب أى لم يوضع على الصليب.. فأيهما نصدق .. كلام الله أم حديث الرواه..
 ولنقف عند تفسير الآية الكريمة التالية لنرى كيف أنَّ عدم الوقوف على حرفيّة الصياغة القرآنيّة وفرض التصوَّرات المُسبقة الصنع على دلالات النصوص القرآنيّة ، يُوصل إلى فهمٍ مُشوَّهٍ لدلالات كتاب الله تعالى ..
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا  [ النساء : 157 ]
.. في العبارة القرآنيّة ) وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ( داخل هذه الآية الكريمة ، نرى أنَّ الضمير في كلمة )  قَتَلُوهُ ( يعود إلى ) ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ ( ، وكذلك الأمر بالنسبة للضمير في كلمة ) صَلَبُوهُ ( .. فالكلمتان [[ )  قَتَلُوهُ ( ، ) صَلَبُوهُ ( ]] صيغتهما متماثلة ، فعل ماضي بصيغة المبني للمعلوم ، والضمير فيهما لا يعود إلاّ إلى عيسى عليه السلام ..
.. ولكن إلى ماذا يعود الضمير المتعلّق بكلمة ) شُبِّهَ ( ؟ .. كلمة ) شُبِّهَ ( نراها بصيغة الفعل الماضي المبني للمجهول ، وإعادة الضمير إلى عيسى عليه السلام ، بمعنى أنَّ شبه عيسى أوقعه الله تعالى على إنسانٍ آخر ليُصلَب بدلاً من عيسى عليه السلام ، أمرٌ غير ممكن ، لأنَّ عيسى عليه السلام ( وفق هذا التصوّر ) مشبّهٌ به ، وليس بمشبّه ..
فالله تعالى لم يقل ( ولكن شبَّه اللهُ به لهم ) ، إنّما يقول ) وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ.. إذاً الروايات الملفّقة والمتناقضة فيما بينها ، من أنَّ الله تعالى أوقع شبه عيسى عليه السلام على إنسانٍ آخر ، تنقضها الصياغة اللغويّة لهذه العبارة القرآنيّة ..
ولا يمكن إعادة الضمير المستتر في كلمة )  شُبِّهَ ( إلى أيِّ إنسان آخر ، كالذي زُعم أنَّه صُلب بدلاً من عيسى عليه السلام ، لأنَّ هذا الآخر المفترض لم يجر له ذكر في السياق السابق ، ولا حتّى في اللاحق ..
أمَّا محاولات تخريج ذلك كالقول بأنَّ الضمير المستتر مُسند إلى الجار والمجرور ) لَهُمْ ( ، بمعنى ولكن وقع لهم الشبه ، أو كالقول بأنَّ الضمير مُسند إلى ضمير المقتول ، في العبارة ) وَمَا قَتَلُوهُ ( ، تصوّراً بأنَّه يدلّ على أنَّه وقع القتل على غيره ، فصار ذلك الغير مذكوراً بهذا الطريق ، فحسن إسناد )  شُبِّهَ( إليه .. هذه التخريجات لا تُسعفها الصياغة اللغويّة لهذه العبارة القرآنيّة ، وهي نتيجة فرض تصوّر مُسبَق الصنع على دلالات هذا النص الكريم ..
 وهذه القصّة التاريخيّة الملفّقة ، بأنَّ الله تعالى ألقى شبه عيسى عليه السلام على إنسانٍ آخر ليُصلَب بدلاً منه ، يتبيّن فسادها من أمرين :
·       الروايات في هذا الأمر متناقضة فيما بينها تناقضاً جلياً ، ولمعرفة هذه الحقيقة لننظر في النصّ التالي الذي أنقله بحرفيّته من تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتح الغيب ، للإمام محمد الرازي فخر الدين ، طباعة دار الفكر ، الطبعة الأولى ( 2005 ) م ، وذلك في تفسير هذه الآية الكريمة :
[[  اختلفت مذاهب العلماء في هذا الموضع وذكروا وجوهاً :
الأوَّل : قال كثيرٌ من المتكلّمين : إنَّ اليهود لمّا قصدوا قتله رفعه الله تعالى إلى السماء فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة من عوامّهم ، فأخذوا إنساناً وقتلوه ولبسوا على الناس أنّه المسيح ، والناس ما كانوا يعرفون المسيح إلاَّ بالاسم ، لأنَّه كان قليل المخالطة للناس ، وبهذا الطريق زال السؤال . لا يقال : إنَّ النصارى ينقلون عن أسلافهم أنَّهم شاهدوه مقتولاً ، لأنّا نقول : إنَّ تواتر النصارى ينتهي إلى أقوام قليلين لا يبعد اتّفاقهم على الكذب .
والثاني : أنَّه تعالى ألقى شبهه على إنسان آخر ثمّ فيه وجوه :
أنّ اليهود لمّا علموا أنّه حاضر في البيت الفلاني مع أصحابه أمر يهوذا رأس اليهود رجلاً من أصحابه يقال له طيطايوس أن يدخل على سيدنا عيسى عليه السلام ويخرجه ليقتله ، فلمّا دخل عليه أخرج الله عيسى عليه السلام من سقف البيت وألقى على ذلك الرجل شبه عيسى فظنّوه هو فصلبوه وقتلوه .
وقالوا كذلك: ــ  وكّلوا بعيسى رجلاً يحرسه وصعد عيسى عليه السلام في الجبل ورفع إلى السماء ، وألقى الله شبهه على ذلك الرقيب فقتلوه وهو يقول لست بعيسى .
وقالوا أيضاً : ــ  أنَّ اليهود لمّا همّوا بأخذه وكان مع عيسى عشرة من أصحابه فقال لهم : من يشتري الجنّة بأن يلقى عليه شبهي ؟ فقال واحد منهم : أنا ، فألقى الله شبه عيسى عليه فأخرج وقتل ، ورفع الله عيسى عليه السلام .
وأخيرا وقد لا يكون آخراً : ــ  كان رجل يدّعي أنَّه من أصحاب عيسى عليه السلام ، وكان منافقاً فذهب إلى اليهود ودلَّهم عليه ، فلمّا دخل مع اليهود لأخذه ألقى الله تعالى شبهه عليه فقتل وصلب . وهذه الوجوه متعارضة متدافعة والله أعلم بحقائق الأمور . ]] ..
·       القول بأنَّ الله تعالى ألقى شبه عيسى عليه السلام على إنسانٍ آخر ليصلب بدلاً منه ، دون أيِّ ذكرٍ لذلك في كتاب الله تعالى ، وبناءً على  روايات متناقضة مناقضة لكتاب الله تعالى ولسننه الكونيّة التي لا تتبدّل ولا تتغيّر ، يفتح باب السفسطة ، ويُعطي حيثيّات الشك بما يراه الإنسان، كذلك يجعل من الناس من يتهم الله بأنه غير عادل .. فلماذا يسمح بأن يُصلب شخص آخر.. وكذلك يمكن أن يُقال أن الله عجز عن حماية نبيه ورسوله من الفتك به..

وكلُّ ذلك يتعارض مع منهج الله تعالى الذي لا يأتيه الشك لا من قريب ولا من بعيد ..
           إذاً .. الضمير المستتر في كلمة ) شُبِّهَ ( يعود إلى الصلب والقتل ، بمعنى شُبّه الصلب والقتل لهم .. ولكن كيف يكون ذلك ؟ .. للإجابة على هذا السؤال لا بدّ من معرفة معنى الصلب في كتاب الله تعالى ..
 دلالاتُ الفعل الثلاثي ( صَلَبَ) تعني وَضْعَ الإنسانِ وتثبيتَه على أداةٍ ثابتةٍ حتى ينتقلَ إلى الحياةِ الأُخرى من على هذه الأداة .. أي هي الخروجُ من الحياة الدنيا إلى الحياةِ الأُخرى من خلالِ الوجودِ على أداةٍ ثابتةٍ صلبة ..
 من هنا .. فالصليبُ ( وجمعها صُلْبَان) : هُوَ الأداةُ الثابتةُ التي يخرجُ من خلالِها المصلوبُ إلى الحياةِ الأخرى ..  وفي هذا الإطارِ من المعنى تُفهم دلالاتُ مشتقّات الجذر ( ص ، ل ، ب ) في الآيات التالية :
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا  [ النساء : 157 ]
يَـٰصَحِبَىِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُۥ خَمْرًۭا ۖ وَأَمَّا ٱلْأخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِۦ ۚ قُضِىَ ٱلْأَمْرُ ٱلَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ  [ يوسف : 41 ]..
 والصُّلْبُ (وجمعها أصْلاب) هُوَ الخطُّ الثابتُ الحاملُ للصفات المتوارثة من آدمَ عليه السلام إلىالأجداد إلى الآباء إلى الأبناء ، والذي من خلالِهِ يخرجُ الإنسانُ إلى عالم الدنيا ، الذي هُو العالم الآخر بالنسبةِ لمرحلة ما قبل خروج الإنسان إلى الدنيا ..
ففي قولِه تعالى فَلْيَنظُرِ ٱلْإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ ﴿٥﴾ خُلِقَ مِن مَّآءٍۢ دَافِقٍۢ ﴿٦﴾ يَخْرُجُ مِنۢ بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ ﴿٧﴾ إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجْعِهِۦ لَقَادِرٌۭ ﴿٨﴾ يَوْمَ تُبْلَى ٱلسَّرَآئِرُ ﴿٩﴾ فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٍۢ وَلَا نَاصِرٍۢ ﴿١٠﴾[ الطارق : 5 – 10 ] 
 نرى أنَّ الآيةَ الكريمةَ : ) يَخْرُجُ مِنۢ بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ ( ، تعني : يخرجُ من بينِ الخطِّ الثابت للصفات الوراثيّة الذي هُوَ ) ٱلصُّلْبِ ( والممتدُّ من آدمَ عليه السلام إليه ، وبين الصفاتِ المختلفةِ المكتسبةِ والطفرات الطارئة التي يحملُها الإنسان خارجَ  محورِ ) ٱلصُّلْبِ ( الذي خرج إلى الدنيا من خلالِه ، وبالتالي تُوصَفُ هذه الصفات بـ ) وَٱلتَّرَآئِبِ ( ، أي بالضعف والتفتّت وعدم الثبات ، وذلك مقارنةً مع الصفات التي يحملها الإنسانُ من محور الصُّلْبِ الذي خرج من خلاله إلى الدنيا ..
.. وهكذا .. فالصُّلْبُ هو الخطُّ الثابتُ الممتدُ من آدمَ عليه السلام إلى الإنسان ، حيثُ يخرجُ المولودُ من خلالِه إلى حياةٍ أُخرى ( الحياة الدنيا ) ، تماماً كما أنَّ الصليبَ أداةٌ ثابتةٌ يخرجُ من خلالِها المصلوبُ عليه من الحياة الدنيا إلى الحياةِ الأُخرى ..
.. ولما كان لكلِّ إنسانٍ صُلْبُهُ الذي يخرجُ منه أولادُه إلى الدنيا ، فإنَّ لمختلف البشرِ أصلابَهم التي تلتقي جميعُها عند آدمَ عليه السلام ، والتي يخرجُ منها أولادُهم ..
) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَ‌ٰتُكُمْ وَعَمَّـٰتُكُمْ وَخَـٰلَـٰتُكُمْ وَبَنَاتُ ٱلْأَخِ وَبَنَاتُ ٱلْأُخْتِ وَأُمَّهَـٰتُكُمُ ٱلَّـٰتِىٓ أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَ‌ٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَـٰعَةِ وَأُمَّهَـٰتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَـٰٓئِبُكُمُ ٱلَّـٰتِى فِى حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّـٰتِى دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا۟ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَـٰٓئِلُ أَبْنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنْ أَصْلَـٰبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا۟ بَيْنَ ٱلْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا (  [ النساء : 23 ] 
.. وفي حين أنَّ دلالات جذر الفعل الثلاثي ( صَلَبَ ) تعني الموتَ على الصليب دون تأثيرٍ خارجي ، بمعنى : أنَّ الصليبَ كان البدايةَ لِلخروجِ من الدنيا ، فمن على الصليب يبدأُ المصلوبُ خروجَه من الدنيا نحو الآخرة ، لا قبل ذلك ، دون أيِّ مؤّثِّرٍ خارجيٍّ مُفتَعَل .. في الوقتِ ذاتِه ، نرى أنَّ دلالات الفعل الرباعي ( صَلَّبَ ) بتشديد اللام ، تعني ابتداءَ مُقدِّمات الخروج من الدنيا قبل الوضعِ على الصليب من خلال التعذيب وفعل مُقدّمات القتل ، ثمَّ يأتي الصليبُ ليكونَ النهايةَ للمصلوب ، حيث يخرج المصلوب من الدنيا من خلالِ هذا الصليب نتيجةَ أفعال التعذيب التي تعرّضَ لها قبل الصلب ، إضافةً لوضعِه على الصليب .. يقولُ تعالى واصفاً قولَ فرعون للسحرة :
) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـٰفٍۢ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (  [ الأعراف : 124 ] 
.. فالكلمة القرآنيّة : ) لَأُصَلِّبَنَّكُمْ ( تعني الوضعَ على الصليب بعد قطع الأيدي  والأرجل من خلاف ، فالموتُ على الصليب – في هذه الحالة – هو بسبب قطعِ الأيدي والأرجل من خلاف ومن ثمّ بسببِ الترك على الصليب حتى الموت .. والآيتان الكريمتان التاليتان تُؤكِّدان هذه الحقيقة :
) قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُۥ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ ۖ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـٰفٍۢ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَابًۭا وَأَبْقَىٰ (  [ طه : 71 ] 
) قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُۥ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـٰفٍۢ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (  [الشعراء: 49 ]    وفي الآية ( 71) في سورة طه نرى العبارة القرآنيّة ) وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ ( وذلك بورود كلمة ) فِى ( وليس كلمة ( على ) ، ولا يمكن لكلمة ) فِى ( أن تكون بمعنى كلمة ( على ) ، وفي هذا دليلٌ على أنَّ الصلب لا يعني مجرَّد الوضع على الصليب إنّما يعني الموت من على الصليب ، فالعبارة القرآنيّة ) وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ ( تعني الموت صلباً ) وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ ( وذلك من خلال كونهم محاطين في جذوع النخل ) فِى جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ ( ..
وفي ذات السياق نفهم كلمةَ ) يُصَلَّبُوٓا۟  ( في قولِه تعالى :
) إنَّمَا جَزَ‌ٰٓؤُا۟ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسْعَوْنَ فِى ٱلْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓا۟ أَوْ يُصَلَّبُوٓا۟ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْا۟ مِنَ ٱلْأَرْضِ ۚ ذَ‌ٰلِكَ لَهُمْ خِزْىٌۭ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(  [ المائدة : 33 
.. وهكذا ففي حين  تحمل دلالات الفعل الثلاثي ( صَلَبَ ) معنى كونِ الصليبِ بدايةَ خروجِ المصلوب إلى الحياة الآخرة ، فإنَّ دلالات الفعل الرباعي ( صَلَّبَ ) تحمل معنى كونِ الصليبِ نهايةَ خروجِ المصلوب إلى الحياة الآخرة ، لأنَّ مُقدّمات موتِ المصلوب كانت من خلال التعذيب وفعل كلِّ ما يُودِّي إلى الموت قبل الوضع على الصليب ..
وحاصل الأمر أنَّ الصلب يعني الموت على الصليب ، ولا يعني مجرَّد الوضع على الصليب ، فالوضع على الصليب والنزول عنه دون الموت عليه ، لا يعني صلباً ولا بأيِّ شكلٍ من الأشكال ..
إذاً .. العبارة القرآنيّة ) وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ( تنفي عن عيسى عليه السلام القتل ، وتنفي عنه الصلب ، وتؤكّد تشبيه الصلب والقتل لهم .. فكيف يكون ذلك ؟ ..
.. مشتقّات الجذر ( ش ، ب ، هـ ) في كتاب الله تعالى تعني رؤية ظاهرٍ مخالفٍ لباطن المرئي وحقيقته ، وعدم إدراك حقيقة المسألة ، واختلاط الأمر بالنسبة لها ، مع أنَّ لها وجهاً ظاهراً .. فالصورة القرآنيّة :)  قَالُوا۟ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ ٱلْبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ  ( [ البقرة :70 ] ، تعني أنَّ الأمر قد اختلط عليهم فلم يعودوا يدركوا حقيقة البقرة المطلوبة ، مع أنَّ البقر ظاهرٌ أمامهم .. والصورة القرآنيّة :
 وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا۟ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍۢ رِّزْقًۭا ۙ قَالُوا۟ هَـٰذَا ٱلَّذِى رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا۟ بِهِۦ مُتَشَـٰبِهًۭا ۖ وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَ‌ٰجٌۭ مُّطَهَّرَةٌۭ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ[ البقرة : 25 ]،  تعني أنَّ ظاهر ذلك الرزق متماثلٌ مع أنَّ حقيقةَ طعمه مختلفة ، أي يرون ظاهراً مختلفاً عن الباطن الذي اعتقدوه ..
وكذلك الأمر بالنسبة للصورة القرآنيّة : ) وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ(    [ النساء : 157 ] ، فهي تعني أنَّ الصلب والقتل شُبّه لهم ، بمعنى أنّهم رأوا ظاهراً يُوهم بالصلب ، مع أنَّ حقيقة الأمر وباطنه غير ذلك ..
ولما كان هذا الشبه ليس من فعلهم ، وهو توهّم اعتقدوه ، كان الفعل ) t شُبِّهَ ( بصيغة المبني للمجهول ... إذاً عيسى عليه السلام تمَّ وضعه على الصليب ، واعتقدوا أنَّه فارق الحياة من على الصليب ، بمعنى اعتقدوا أنّه صلب وقُتل ، وهذا ما شُبّه لهم ، ولكنَّ الحقيقة أنَّه أنزل من على الصليب حيّاً لم يفارق الحياة ، وبالتالي لم يُصلب ولم يُقتَل ..
إذاً ظاهر هذه المسألة ( الوضع على الصليب والاعتقاد بأنّه فارق الحياة من عليه ) ، يخالف باطنها وحقيقتها ( عدم الموت على الصليب والنزول عنه حيّاً ) ، مع العلم أنَّ الصلب كما بيّنا لا يعني مجرّد الوضع على الصليب ، إنّما يعني الموت من على الصليب .. وهذه هو عين ما تنطق به العبارة القرآنيّة )وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ(    وتكملة الآية الكريمة ذاتها تؤكّد هذه الحقيقة ..
 ) وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا۟ فِيهِ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا )
 .. وهكذا نرى كيف أنَّ الإعراض عن الصياغة الحرفيّة للنصِّ القرآني .. مع فرض الروايات وأقوال السابقين ( السلف) على النصِّ القرآني ، لا يزيدنا إلاَّ ابتعاداً عن حقيقة دلالات كتاب الله تعالى ..
والرأى .. إن الأخذ عن السلف دون التدبر والتفكر فى دلالات كتاب الله وما يقوله للبشر هو إبتعاد عن منهج الله لنا جميعا .. وأقول لمن يأخذ عن السلف دون تفكير أو تمحيص ودون إعمال العقل كما يطلب منهم مشايخ الجهل والرجعيه.. خذوا دينكم بعيداً عنا .. وأتركونا وشأننا..
وأقول لمن أفتى بعدم المعايده على المسيحيين فى عيدهم هذا وكل أعيادهم .. من أين أتيت بهذا.. هل أمرك الله بهذا .. وأتحداكم أت تذكروا لنا آيه من كتاب الله .. لا بل نصف آيه من كتاب الله تقول ما تقولون... وبئس ما تقولون .. إن تقولون إلّا كذبا وإفتراءً.
طارق عبد الحميد