الأحد، 2 ديسمبر 2012

المصريون‏..‏ بين الفقر والكبرياء كتب / فاروق جويده

المصريون‏..‏ بين الفقر والكبرياء
كتب / فاروق جويده

فقراء مصر صامدون امام جحافل الحاجة والظروف والحياة القاسية‏..‏ لم ينضموا إلي مواكب الساخطين من الفئات الأخري من أصحاب المطالب الفئوية من الأطباء والمدرسين واساتذة الجامعات والبنوك وشركات البترول واصحاب الأحزاب السياسية ورموز النخبة الضائعة
.. مازال فقراء مصر وهم الاغلبية واقفين في شموخ يصارعون مطالب الحياة رغم انهم الأحق بالرعاية والحماية والأمن.. هذه الظاهرة الإنسانية الرفيعة تجعل الإنسان يشعر بالتفاؤل ان جذور الشجرة لم تفسد ولم يصبها العطب وان ما حدث في فروعها من العفن لم يفسد كل شئ فيها,وكان السؤال الذي حاولت ان أبحث له عن إجابة لماذا صمد فقراء مصر هل هو التعفف ام هو الإيمان أم هو الترفع عن الحرام رغم ان المجتمع بكل رؤوسه غرق في هذا الحرام..
ما بين العشوائيات الفقيرة والمنتجعات الغنية مسافة قصيرة جدا انها مجرد دقائق تفصل الاثنين من لا يملكون عشاء يومهم ومن ملكوا الأرض وما عليها.. بين طفل ينام علي الرصيف مع الملايين من اطفال الشوارع وطفل ينام في قصر منيف.. المعادلة صعبة وقاسية ومربكة في احيان كثيرة.
ان الأطباء ساخطون وهم علي حق فلا يعقل ان يكون مرتب الطبيب بضع مئات من الجنيهات لا تشتري ثوبا ولا تغطي تكاليف المواصلات ومن حقه ان يغضب وان يثور,وان يخرج متظاهرا ضد مجتمع فاسد لا يعطيه حقه في حياة كريمة.. ولكن علي الجانب الآخر هناك شاب فقير حصل علي شهادته العليا وكان الأول علي دفعته وفي الوقت الذي اصبح فيه زميله الفاشل ابن الوزير أو المدير أو صاحب المنصب الخطير في ارقي المناصب فهو يعمل في أحد المطاعم وربما وجد نفسه وجها لوجه مع زميله الفاشل ويقدم له الطعام ويلعن الشهادة التي يحملها والتفوق الذي وصل إليه..
< في لقاء رئيس الوزراء د. هشام قنديل مع رؤساء التحرير أصابتني عاصفة من الأرقام بحالة من الإحباط لم أتجاوزها بعد..
إن متوسط معدلات الفقر وصل إلي25% في حده الأدني وبلغ80% في بعض مناطق الصعيد وان نسبة البطالة وصلت إلي13% واعلي نسبة فيها بين خريجي الجامعات.. وان متوسط دخل الفرد في مصر أقل من12 جنيها في اليوم.. وإذا استمر الحال علي ما هو عليه فإن العجز المالي في الميزانية وهو170 مليار جنيه سوف يصل إلي345 مليار جنيه بعد خمس سنوات.. وان الدين العام بلغ تريليونا و200 مليار جنيه وسوف يصل إلي2 تريليونين و800 مليار بعد أربع سنوات إذا بقي المصريون علي حالهم حيث لاعمل ولا إنتاج.

ومن بين الأرقام المحبطة ايضا ان الدعم في الميزانية يحصل علي33% والأجور والمرتبات26% وفوائد الديون22% وان الباقي وهو اقل من20% موزع علي كل الخدمات بما فيها التعليم والبنية الأساسية والصحة وما يسمي التنمية البشرية وان الإحتياطي من العملات الأجنبية قد وصل إلي15 مليارا و500 مليون دولار وهذا الرقم يغطي واردات مصر ثلاثة أشهر فقط.
بعد ان سمعت هذا الكلام وهذه الأرقام قلت لا اعتقد ان الحل يمكن ان يكون في انبوبة بوتاجاز أو صفيحة بنزين والحل يحتاج إلي إجراءات حاسمة ولا ينبغي ان يتحمل الفقراء فاتورة العجز في الميزانية أو خطط جديدة سمعناها مليون مرة تحت شعار الإصلاح الاقتصادي.
ان ميزانية التعليم في مصر64 مليار جنيه منها50 مليار جنيه هي بند المرتبات والباقي وهو14 مليار جنيه هي قيمة الإنفاق علي العملية التعليمية في مصر لشعب تعداده90 مليون مواطن وهذا يعني ان نصيب كل طالب لا يتجاوز خمسة جنيهات طوال العام الدراسي, ولهذا يتخرج الملايين وهم لا يعرفون شيئا..

في شركات البترول تصل المرتبات إلي آلاف الجنيهات لعشرات الالاف من الموظفين والعاملين والخبراء ورغم هذا خرج هؤلاء في مظاهرات ومطالب فئوية رغم ان شركات البترول مدينة بأكثر من60 مليار جنيه..

وما حدث في قطاع البترول يحدث ايضا في شركات الكهرباء.. والأخطر من ذلك هي المطالب الفئوية لأساتذة الجامعات واعضاء الأجهزة الرقابية والقضاة والمحامين والصحفيين والإعلاميين, واتسعت دائرة المطالب الفئوية وتجاوزت المطالب المادية لتصل إلي جمعية إعداد الدستور وما يجري فيها.. لا ننكر ان من بين هذه الفئات من تعرضوا لظلم فادح في العهد البائد امام عمليات التمييز وإقصاء البعض والعدوان علي حقوق الناس ولكن المفاجأة ان فقراء مصر لم يخرجوا حتي الآن مطالبين بحقهم في توفير أبسط مطالب الحياة..
كان الخبراء قبل ثورة يناير يقيمون كل حساباتهم علي ان ثورة الجياع قادمة وان مصر علي ابواب انتفاضة مدمرة امام إرتفاع نسبة الفقر والأمية والجريمة ومساحة العشوائيات كان هناك إجماع علي ان الثورة القادمة هي ثورة الفقراء.. ولكن الغريب حقا ان تكون ثورة التكنولوجيا أحدث ما وصل إليه العالم هي الشعار الذي انطلق به شباب مصر ليسقط النظام البائد ويؤكد للعالم اننا امام شعب متحضر مستنير.
لم يخرج فقراء مصر وشاركوا في ثورة الشباب, واختلطت دماؤهم الذكية مع دماء شباب مصر في ميدان التحرير وميدان الأربعين وميدان القائد إبراهيم, وكانت هذه الدماء أول سطر في كتاب الحرية.
 في هذا المشهد التاريخي كنت تشاهد مواكب النخبة المثقفة الواعية وهي تطوف علي الفضائيات تشعل النيران وتطالب بالتظاهر والرفض وتجمع الأموال من كل سبوبة متاحة.. وامتدت ايادي الهاربين بأموال الشعب تشتري هؤلاء الفقراء بخمسين جنيها لكي يتظاهر أو يلقي حجرا هنا أو حجرا هناك وربما أصابته رصاصة طائشة أفقدته حياته.. كانت النخبة في منتهي الأنانية وهي تستغل ظروف الحاجة وتدفع بهؤلاء الصغار الفقراء لإحراق المجمع العلمي أو إشعال النيران في محمد محمود والسفارة السعودية ومجلس الوزراء.. اموال كثيرة تدفقت من الخارج مصادرها معلومة ومعروفة وسوف تعلنها الدولة قريبا بعضها إتجه إلي وسائل الإعلام من الصحف والفضائيات والبعض الآخر اتجه إلي شراء الشباب والأطفال الصغار لاستخدامهم في إشعال الفتن في الشارع.
علي جانب آخر كان رموز العمل السياسي يشيدون الأحزاب ويقيمون الولائم والمؤتمرات وينفقون عليها الملايين من الجنيهات دون أي عائد معنوي أو ادبي أو مادي يمكن ان يمر علي الطبقات الفقيرة ولو ان هذه الحشود من رجال الأعمال والمنتفعين والساسة قررت ان تمد يدها بأي عون لهذه الطبقات الفقيرة لحل مشاكلها ومواجهة ظروفها الصعبة لكان ذلك افضل.
وكان الصدام الدامي يوم الجمعة الماضي بين شباب الإخوان المسلمين والقوي السياسية الأخري أكبر دليل علي فشل الجميع إخوانا وسلفيين وليبراليين, كان تأكيدا ان النخبة السياسية لم تنضج بعد ومازالت تعيش مراهقة سياسية مؤسفة.
في تقديري ان موقف حزب الفقراء في مصر حتي الآن بعد الثورة هو انبل وارفع المواقف في هذا الشعب.. كل فئات الشعب المصري علي المستوي الإنساني خرجوا من هذا الامتحان خاسرين.
< أخرجت النخبة المصرية أسوأ ما فيها في لغة الحوار والسلوك والإنتهازية..
< خرجت طوائف الشعب المختلفة بمطالبها المتعددة دون انتظار لتحسن الأوضاع الأمنية وعودة الإستقرار للوطن
< خَرجت