الخميس، 18 أبريل 2013

أكذوبة الجزية بقلم المفكر الإسلامى / عدنان الرفاعى الجزء الثانى





أكذوبة الجزية

بقلم المفكر الإسلامى / عدنان الرفاعى

الجزء الثانى

وهنا سوف نرى أنَّ القتال هنا مسألة مفتوحة ، تبدأ بالدعوة إلى الله تعالى لإخراج الغارقين في سبيل الطاغوت من حالة الظلام إلى حالة النور ليصبحوا في صراط سبيل الله تعالى ، وإن اعتدوا على المؤمنين بالسيف ، عندها فقط ، يتوجب قتالهم بالسيف ..
وهذا المعنى نراه أيضاً في قوله تعالى ..

.. العبارتان القرآنيّتان وقاتلواالمشركين كافه كما يقاتلونكم كافه( ، لا يمكن حصر القتال بهما بقتال السيف ، فالمشركون كافّة ليسوا في حالة قتال بالسيف مع المؤمنين كافّة دائماً وأبداً ، بينما القتال الدائم بين المؤمنين والمشركين ، هو قتال الفكر والمعتقد ، ونشره بين الناس ..
.. بعد هذا التبيان لمفهوم القتال ، لنعد إلى قوله تعالى :


.. الكلمة الأولى في هذه الآية الكريمة هي : ) قاتلوا)  .. فما هو القتال المعني ؟ ، وما الهدف منه ؟ ..... كلمة : ) (قاتلوا (  في هذه الآية الكريمة ليست محصورة بقتال السيف ، لأنَّ الهدف من هذا القتال هو : حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .. وبالتالي .. بقاء المعني حيّاً ليعطي الجزاء المترتِّب عليه هو أمرٌ مطلوب .. فمن يأمر الله تعالى بمقاتلته ، عليه جزية لا بدَّ أن يعطيها ، وبالتالي فالهدف ليس قتله ، الهدف من القتال هو أن ينصاع للجزاء المترتّب عليه .. 
.. وفي هذه الآيةِ الكريمةِ نرى ورودَ عبارةِ ) الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ( ، دون عبارةِ ) أهل الكتاب ( .. فعبارة ) أهل الكتاب ( مُصطلحٌ قرآنيٌّ خاصٌّ بمتّبعي رسالتي موسى وعيسى عليهما السلام .. بينما المصطلحُ القرآنيُّ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ( يشملُ أهلَ الكتاب والمسلمين ، وذلك حَسبَ السياقِ القرآنيِّ المُحيطِ بهذه العبارة .. وفي العباراتِ القرآنيّةِ التاليةِ دليلٌ على ذلك ..


.. فورودُ العبارةِ القرآنيّةِ ) من قبلكم ( خلفَ العبارةِ القرآنيّةِ ) الذين أوتوا الكتاب  ( ، دليلٌ على أنّنا من الذين أوتوا الكتاب .. والعبارةُ القرآنيّةُ ) من قبلكم (  هي للإشارةِ إلى أهل الكتاب تَميزاً لهم من جملة المعنيين بالعبارة القرآنية ) الذين أوتوا الكتاب ( ، التي تشمَلُنَا وتشمَلُهُم ..  
.. إذاً قولُهُ  تعالى (ولا يدينون بدين الحق من الذين أوتوا الكتاب  ليست خاصّةً بأهلِ الكتابِ كما تذهبُ تفاسيرُنا التاريخية .. والعبارة القرآنيّة .. )حتى  يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ( ، تُبينُ لنا الهدفَ الذي من أجلِه يأمُرُنا الله تعالى بمقاتلةِ المعنيين في هذه الآيةِ الكريمة .. وهذا ينفي تماماً مفهومَ الجزيةَ بمعنى دفع الأموالِ بدلاً عن اعتناقِ الدين ، أي بمعنى الخيارِ الآخر لاعتناقِ الإسلام ..
.. فاللهُ تعالى لم يقل .. ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُؤمنوا أو يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) .. فالجزيةُ حصراً هي هدفُ القتال ، حيث ينتهي القتال حينما )  يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ( ..
.. وبالتالي يكونُ معنى العبارةِ القرآنيّةِ ) حتى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ( .. هُوَ : حتى ينصاعَ أصحابُ تلك الجناياتِ إلى الجزاءِ المُقابلِ لِجِنَاياتِهِم ، وهم أذلاء  منصاعون لما حرّمَهُ اللهُ تعالى ورسولُهُ " ص " ..
.. وفي العطف بين العباراتِ القرآنيّةِ المُشيرةِ إلى صفاتِ أصحابِ تلكَ الجنايات .. ( الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب)  بيانٌ إلى أنَّ قتالَ هؤلاء يكون حينما يتّصفون بجميع تلك الصّفات ، ومن هذه الصفات ) ولا يحرِّمون ما حرم الله ورسُولُهُ ( .. وهذا يؤكّدُ أنَّ المسألةَ مسألةُ جناياتٍ وحقوقٍ مُستحقّة ، فأصحابُ الرسالات الأُخرى ليسوا مُلزمين – عقديّاً – باتّباعِ الخصوصيّاتِ التي حرَّمَها الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين ..
.. فالآيةُ الكريمةُ إذاً تعني أصحابَ الجناياتِ الذين لم ينصاعوا لِلأحكامِ التي ترتبتْ عليهم  نتيجةَ جناياتِهِم تلك ، وذلك من المسلمين أو من أهلِ الكتابِ داخلَ الدولةِ ، الذين لَهُم ما لها وعليهم ما عليها ..
كيف يأمر الله تعالى بمقاتلة الآخرين لإجبارهم على دخول الدين الإسلامي ، والله تعالى يقول في كتابه الكريم  


.. ويقول جلَّ وعلا :

 كيف من الممكن لإنسان عاقلٍ يدرك الحدَّ الأدنى من قواعد اللغة العربيّة ، ويؤمن بهذه الآيات الكريمة ، وعنده روح ، كيف من الممكن له أن يتصوَّر المفهوم التاريخي للجزية بأنَّه حكمٌ من عند الله تعالى ؟!!! .. كيف ؟!!! ..
.. من هنا نرى أنَّ كلمة ) قاتلوا (  في بداية هذه الآية الكريمة تصف بذل الجهد ليس في قتل المعنيين من أجل فرض الإسلام عليهم أو إعطائهم الجزية كبديل لذلك ، أبداً ، إنّما تصف بذل الجهد في الإتيان بأصحاب الجنايات لينصاعوا للأحكام المترتّبة على جناياتهم التي ارتكبوها ، مهما كان معتقدهم ، ولا فارق في ذلك بين مسلم وغير مسلم ..... وموضوع الجزية كمبلغ يدفعه الآخرون كبديل عن اعتناقهم للإسلام ، هو أكذوبة كبرى ، لُفِّقَت على منهج الله تعالى ، ومنهج الله تعالى منها براء ..
.. إنَّ أمرَ الله تعالى للمؤمنين بأن يُقاتِلوا في سبيلِهِ ، لا يعني أبداً فرضَ الدينِ بالقوّة .. إنّما هو بِسَبَبِ مُحاربةِ الآخرين لِلمنهجِ الذي أنزلَه اللهُ تعالى على رسولِه r .. أي بسببِ الجنايات التي يرتكبُها أولئك الذين يأمُرُنا اللهُ تعالى بِمُحارَبَتِهِم .. وفي النصِّ القرآنيِّ التالي دليلٌ على ذلك ..


.. فالعبارة القرآنيّةُ ( الذين يُحارِبون الله ورسوله ويَسْعَوْنَ فى الأرضِ فسادًا )،  تشملُ كلَّ الموصوفين بهاتين الصفتين معاً ، سواءٌ كانوا مسلمين ، أو غيرَ مسلمين .. وفي تَكرارِ كلمةِ ) rr& ( بين حالات الجزاء في قولِه تعالى (أن يُقَّتَلُوا أو يُصَّلبوا أو تُقَّطَّع أيديهِم وأرجلهم من خلاف أو يُنْفَوْا من الأرض)  ، في ذلكَ بيانٌ في اختلافِ الأحكامِ التي يستحقِّهُا هؤلاء كَجَزَاءٍ على جناياتِهِم ، وذلك حسبَ جنايةِ كُلٍّ منهم ... وبالتالي فنحنُ أمامَ جناياتٍ مُتعدّدة ، جزاؤها بدرجاتٍ مختلفة ..... وقولُهُ تعالى ..( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)  ، يُؤكِّدُ لنا أنّنا أمامَ جِناياتٍ غُفْرَانُها يَحتاجُ إلى توبة ، وجزاؤها المُبيَّنُ في هذا النصِّ القرآنيِّ ، لا يَسْقُطُ إلاَّ بتوبةِ الجاني قبلَ أن يُقْدَرَ عليه ..  

نهاية الجزء الثانى