السبت، 20 أبريل 2013

أكذوبة الجزية بقلم المفكر الإسلامى / عدنان الرفاعى الجزء الثالث والأخير







أكذوبة الجزية

بقلم المفكر الإسلامى / عدنان الرفاعى

الجزء الثالث والأخير



 لقد حدَّد الله تعالى سبيل الدعوة إليه ، بشكلٍ صريح لا يحتمل أيَّ تأويل آخر .. يقول تعالى ..

.. فالحكمة والموعظة الحسنة هما السبيل الوحيد للدعوة إلى الله تعالى ، وكلُّ دعوة بالإكراه هي خروجٌ فاضح على منهج الله تعالى ، تجعل من الداعي أكثر كفراً ممن يريد دعوتهم ... ومناسبة ورود العبارتين الأخيرتين في هذه الآية الكريمة


في هذا السياق ، هي ألاَّ يغتر الداعي إلى الله تعالى فيحسب من يدعوهم ضالّين ، وأنَّه أهدى منهم .. فالضلال والهداية يعلمهما الله تعالى ، ولا يجوز لإنسانٍ أن يرمي الآخرين بالضلال ، ناسباً لنفسه الهداية ، بناءً على اعتقاده هو ... ما يتطلّب منه هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، تاركاً تقييم الناس لله تعالى ..
.. إنَّ القتال في سبيل الله تعالى هو لمن يقاتلنا ، وليس لفرض الدين على الآخرين وإرغامهم على الجزية ، وكلُّ فرضٍ للعقيدة على الآخرين هو اعتداء ينهى الله تعالى عنه ، وهذا ما يصوِّره لنا قول الله تعالى ..


.. ولنقف عند قوله تعالى ..

.. هنا القتال ) وقاتلوهم  ( ، ليس محصوراً بقتال سفك الدماء ، فالدلالة واسعة ، وقد بيّنا ذلك بما فيه الكفاية .. والهدف من القتال هو أمران لا ينفكان عن بعضهما بدليل عطفهما على بعضهما بحرف العطف ( وَ ) : ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله ) .. إذاً قتال هؤلاء هو بسبب فتنة يقومون بها ، وهذه الفتنة تجعل من العقد الاجتماعي بين أبناء المجتمع ، يسير بنقيض السلام والتسامح والمحبة التي يأمر الله تعالى بها .. وهذا ما تصوِّره لنا العبارة القرآنيّة     )ويكون الدين لله( .. فالله تعالى لم يقل : (( ويسودَ دينُ الله )) ، إنّما يقول:     )ويكون الدين لله( .. فالدِّين هنا هو منهج العقد الاجتماعي للمجتمع على مختلف تنوعاته ، وهذا المنهج عندما يُوَجَّه باتّجاه الإكراه والظلم وطغيان فئة على فئة ، لا يكون في السبيل الذي يريده الله تعالى، وتحصل الفتنة بين أبناء المجتمع، لذلك، يأمر الله تعالى بمقاتلة مثيري هذه الفتن... إنَّ العقد الاجتماعي المشترك بين أبناء المجتمع ، بما يشمله من دستور وقوانين للدولة، يسمّيه القرآن الكريم بدين هذا المجتمع، أو دين الدولة ودين حاكمها ..
.. فكلمة ) دِيِن  ( هي في النهاية من الجذر اللغوي ( د،ي،ن ) ، والدَّين هو التعامل بالأجل ، فالعطاء يُسترَدُّ بعد أجل .. وهذا المعنى يتقاطع مع مفهوم الدِّين ، فالدِّين هو العمل على أن يتمَّ الجزاء لاحقاً .. من هنا نُدرك معنى قوله تعالى ..
.. إذاً .. الدِّين هو مجموعة القوانين والأحكام التي يُطلَب من المتديِّن بهذا الدين العمل بها ، على أن يأخذ جزاءه لاحقاً .... ودين الله تعالى هو أحكام الله تعالى التي يُطلَب من الناس اتّباعُها ... وقوانين أيِّ دولة وأحكامها ودستورها ، هي في النهاية دين هذه الدولة .. وفي النصِّ القرآني التالي أكبر دليلٍ على ذلك ..

فالعبارة ) دين الملك)  تعني نظام دولة الملك ، ودستورها ، والقوانين التي تحكم هذا النظام ..
.. إذاً في قوله تعالى : ) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله )  نرى أنَّ العبارة القرآنيّة ) ويكون الدين لله، تعني : ويكون العقد الاجتماعي بين أبناء المجتمع في السبيل الذي يريده الله تعالى ، ولا تعني أبداً فرض الدِّين على الآخرين بالقوّة .. فالله تعالى لم يقل : (( ويسود دينُ الله )) ، إنّما يقول ) ويكون الدين لله) ، فكلمة ) الدين ( هنا نراها غير مضافة لله تعالى ولا للرسول صلى الله عليه وسلم ..
.. إذاً، القتال الذي يأمر الله تعالى به في هذه الآية الكريمة هو ضد من يفتعل الفتن في المجتمع متجاوزاً القيم النبيلة التي يأمر الله تعالى بها من محبة وسلام وتسامح بين أبناء المجتمع ، ومن يريد فرضَ الدِّين على الآخرين بالقوّة ، إنّما يتعدّى على أمر الله تعالى :

ويتعدّى على أمر الله تعالى :
.. ويتعدّى على أمر الله تعالى :
 .. وبالتالي فهو من الذين يأمر الله تعالى المجتمع بمقاتلتهم ، لأنَّه يكذب على الله تعالى ، ويثير الفتن في المجتمع ، ويشيع القتل والخوف والكره بين عباد الله تعالى ..
.. إذاً قوله تعالى ..
لا يعني ما يذهب إليه الظلاميّون من فرض الدِّين بالقوّة على الآخرين ، وما نراه أنَّ هذه الآية الكريمة تحمل أمراً من الله تعالى للمجتمع بمقاتلة هؤلاء ، لأنَّهم يثيرون الفتن بين أبناء المجتمع ، ويتعدّون على كلِّ القيم النبيلة التي يريدها الله تعالى من تسامح وسلام بين أبناء المجتمع ..
ونهاية الآية الكريمة تؤكِّد صحّة ما نذهب إليه في تفسيرها ) Èفَإنْ إنتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين) [ البقرة : 193 فإن عاد هؤلاء عن فتنهم، وانصاعوا لقيم المحبة والتسامح والسلام، ينتهي السبب الذي من أجله يأمر الله تعالى بمقاتلتهم ..
وهذا المعنى نراه أيضاً في قوله تعالى ..
.. كتاب الله تعالى آياته الكريمة متكاملة متعاضدة في تصوير أحكامه ، فالله تعالى الذي يأمر بعدم الإكراه في الدين ، وبحريّة المعتقد ، وبالمحبة والسلام والتسامح بين أبناء المجتمع على مختلف انتماءاتهم ، لا يمكن أن يأمر بفرض الدِّين على الآخرين ، كما يفتري الظلاميّون عابدو أصنام التاريخ ..
وهنا نسألة أنفسنا : هؤلاء الذين يفترون على الله تعالى بأكذوبة دفع الجزية كبديل عن اعتناقهم للإسلام ، والذين يريدون فرض أهوائهم المذهبيّة والطائفيّة على الآخرين باسم الدّين ، تلك الأهواء التي ينقضها دين الله تعالى جملةً وتفصيلاً .. نسأل أنفسنا  كم يسيء هؤلاء لمنهج الله تعالى ؟ .. وكم يسيء هؤلاء للأمن السلمي والاجتماعي للمجتمعات البشريّة ؟ .. وكم من المظلومين خلال التاريخ كانوا ضحيّة هذه الأكاذيب التي يأمر كتاب الله تعالى بنقيضها ؟ .. نترك الإجابة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ..
.. لا تُوجَدُ حربٌ شفّافة نقيّة لا آلام فيها ولا عصبيّة ، ولا تُوجَدُ حربٌ حاملها المودّة والمحبّة بين المتحارِبَيْن ، فالحرب هي الحرب ، هدفها العلو على الآخر وتدمير ما تسعى الحرب لتدميره .. وقد تُوجَدُ حربٌ مشروعة تهدف لرفع الظلم ، وقد تُوجَدُ حربٌ هدفها الوصول إلى السلام بين المتحاربين ..
.. أمَّا أن يُدفَعَ المتحاربان إلى حربٍ لا مصلحة بها إلاَّ لعدوِّهما المشترَك ، وأن يُستعمَلَ الدينُ المشترَك بين المتحارِبَيْن كوقود لإشعال هذه الحرب ، وأن يُساق ضحايا هذه الحرب في سبيلها كالقطيع باسم الدين والمذاهب والطوائف.

 وهذا يعني أنَّها حربٌ قذرة ، كلُّ ما فيها قذر .. مُشعلوها أقذار ، والسائرون بها أقذار ، والساكتون عن قول الحق بها أقذار مثلهم.

.. هذه الحرب القذرة تتجلّى هذه الأيّام فيما نراه من شحن مذهبي وطائفي مقيت بين السنّة والشيعة على امتداد العالَم .. فكلُّ جوانب القذارة تتجلّى في هذه الحرب ، وكلُّ عناصر الغباء واللهث خلف سياسة القطيع الأعمى ، تظهر ــ للأسف ــ في الكثيرين من الذين باعوا ضمائرهم وطلّقوا عقولَهم ، ممّن يحسبون أنفسهم يخوضون بها حرباً مقدّسة ..
.. لقد رأيت بوادر هذه الحرب القذرة في شيوخ الفتنة وفضائيّات الفتنة عند متطرّفي السنّة والشيعة على حدٍّ سواء .. كلُّ طرفٍ ينفخ بالنار في نفوس العوام من طائفته ، ويحرِّضهم على الطرف الآخر .. وقد تجلّى ذلك عند متطرّفي الشيعة وعند متطرّفي السنّة ممّن يسمّون أنفسهم بالسلفيّين ..
.. ومن يطّلع على حقيقة اعتقاد المتطرِّفين عند الطرفين ، يدرك تماماً سبب الصدام بينهما ، فكلا الطرفين وصلا إلى مرحلة عبادة أصنام التاريخ بكلِّ ما تحمل الكلمة من معنى ، وهو يحسب نفسَه موحِّداً سائراً على صراط الله تعالى المستقيم ..
.. وكلٌّ من الطرفين، عندما نقول له : أنت تعبد أصنام التاريخ، يزمجر وينكر ذلك ويتّهمنا بأبشع التهم، وذلك لأنّه غارق في مستنقعه الذي أقنع نفسه بالبقاء فيه ، جاحداً الحقيقة، ومتشرّباً لجحوده هذا مع الزمن، لدرجة بات يعتقد فيها أنَّ عبادة أصنامه هي عين مراد الله تعالى ..

.. وإذا قلنا لمتطرّفي الطرفين إنَّ أهل البيت والصحابة مجتمعين والروايات عند الطرفين مجتمعة ، لا تساوي حرفاً من كتاب الله تعالى ، وتعالوا إلى كتاب الله تعالى الذين تزعمون أنَّكم تؤمنون به إيماناً كاملاً ، هرب كلٌّ منهم إلى مستنقعه النتن ، وراح لا يرى دلالات كتاب الله تعالى إلاَّ من مناظير مذهبه الضيّقة ، وراح يُؤوِّل آيات كتاب الله تعالى تأويلاً ما أنزل الله تعالى به من سلطان ، ليبقى غارقاً في مستنقعه النتن ..
.. وعلى الرّغم من هذا التيه الفكري والعقدي ، لو وُجدت فطرة نقيّة ، وروح تردع النفس عن هواها ، لاستوعب كلٌّ منهما الآخر ، وذلك من مبدأ ) لا إكراه فى الدين)  ، ومن مبدأ

، ومن مبدأ

... ولكنَّ المسألة – عند الطرفين – ليست مسألة اتّباع لكتاب الله تعالى ، إنّها مسألة عبادة أصنام التاريخ ، وبالتالي فالمعيار – عند الطرفين – هو الاقتراب والبعد من هذه الأصنام ، وليس الاقتراب والبعد من أحكام كتاب الله تعالى ..
.. الأخطر في هذه الحرب القذرة هو غرق الكثيرين من أبناء المجتمع في مستنقع التضليل والكذب تحت تأثير تلبيس شيوخ الفتنة وتضليلهم ومتاجرتهم بالطوائف والمذاهب تحت شعارات برّاقة تخطف أبصار السذّج .. وتُستغلُ في هذا الهدف القذر كُلُّ أدوات القذارة من فبركات وأكاذيب ، ومن اجتزاءات نصيّة من سياقاتها ، ومن تضخيم لحوادث فرديّة ، لتوظيفها في إغراق أبناء المجتمع في هذا المستنقع النتن ..
.. ويتنامى الحقد في نفوس المُضلَّلين بشكلٍ موازٍ للسخف الفكري والثقافي الذي وضعوا أنفسهم فيه ، وتسود الشحناء والبغضاء لدرجة يفجِّر فيها المُضلَّل نفسَه لقتل الآخرين حتى في دور العبادة أثناء أداء الصلاة التي يصلّيها ذاتها من فجّر نفسَه .. وهذا ما رأيناه في الكثير من الجرائم المذهبيّة والطائفيّة ، التي وقعت في بلدانٍ على امتداد العالم ..
.. من يُفجِّرُ نفسَه في مسجد مذهبٍ آخر أثناء الصلاة ، هل يؤمن بحقيقة صلاته هو لله تعالى ، والتي لا تختلف كثيراً عن صلاة من قتلهم بهذا التفجير ؟!!! .. من يُفجِّرُ نفسَه في حضانة أطفال مذهبٍ آخر هل آمن ولو لحظة بقوله تعالى

من يفجِّر سيارةً مُفَخَّخَةً في سوق خضار ، أو في محطّة قطار ، أو في أيِّ مكان يُوجَد فيه إنسانٌ بريء ، هل لامس ومضة نور من الحكمة المحمولة بقوله تعالى الذي يصف به قول أحد ابني آدم :


.. مشكلة هؤلاء التكفيريّين أنَّ الإنسان عندهم ليس بريئاً ولا يستحقُّ الحياة إلاّ لمن كان على شاكلتهم ، فكلُّ ما هو ليس ظلاميّاً هو عندهم كافر .. ومعيار الحقّ عندهم والاقتراب منه والابتعاد عنه ، هو الاقتراب من أصنامهم التاريخيّة ، والابتعاد عن تلك الأصنام ..
.. عندما تُصبح العصبيّة المذهبيّة في النفوس المظلمة أكبر من الدِّين الحق ، يملأُ صنمُ التاريخ مساحةً في تلك النفوس المظلمة والقلوب المريضة أكبر من المساحة المتعلّقة بالله تعالى ، ويتمُّ الإعراض عن الأدلّة والبراهين التي تُبيّن فساد تلك القلوب المريضة ، ولا يتمّ النطق بالحقّ مهما كان جليّاً .. وكلُّ ذلك ناتجٌ عن كون هؤلاء لا يعرفون اللهَ تعالى ، لأنَّ الحقَّ اسمٌ من أسماء الله تعالى
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الۡحَقُّ.

وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الۡبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الۡعَلِىُّ الۡكَبِيرُ) الحج 62


فمن لا يعرف الحقَّ،
لا يعرف اللهَ تعالى ..