الاثنين، 29 فبراير 2016

الحق الذى لا يريدون للكاتب المهندس/ عدنان الرفاعى




مقدمة ومحتوى كتاب
الحق الذى لا يريدون
للكاتب المهندس/ عدنان الرفاعى
في هذا الكتاب سنحاول ـ إن شاء الله تعالى ـ التَّحرِّي المجرَّد للحقِّ في روايات الحديث التي بين أيدينا، وعلى الأخصِّ صحيحي البخاري ومسلم ، وسنحاول رسم سكَّة السُّنَّة الشريفة كتشريعٍ مستمرٍّ للأمَّة على أرضيَّة هذه الروايات ... وكلّ ذلك من منظارٍ مجرَّدٍ عن أيِّ عصبيَّة مذهبيَّة أو طائفيَّة .. فسنحاول ـ إن شاء الله تعالى ـ  أن يكون هذا البحث بحثاً للأمَّة بكاملها على مختلف طوائفها ومذاهبها، هدفه جمع فكر الأمَّة على هدى صراط الحق الذي تُجْمِع عليه الأمَّة وهو القرآن الكريم ..
وسنحاول إن شاء الله تعالى أن نرسم ـ على قدر ما نستطيع ـ الخط الفاصل بين الإسلام الذي يريده الله تعالى منهجاً للأمَّة كافَّة، بل للبشرية جمعاء، والذي يكون فيه القرآن الكريم صراط هذه الأمَّة ونور أحكامها، وبين الإسلام الذي يريده بعض البشر والذي يكون فيه القرآن الكريم مجرَّد رواية من جملة الروايات ..
 لو عدنا إلى التاريخ الإسلامي ـ على مختلف مشاربه ـ وقرأناه قراءة واعية مجرَّدة عمَّا نحمله من تعصُّب للأشخاص والمذاهب والطوائف، لرأينا أنَّ هذه الأمّة بمختلف طوائفها ومذاهبها وفقهائها وعلمائها وأفرادها، تتهادى بين إسلامين :
·       إسلام يريده الله تعالى ويأمر به، يحمله القرآن الكريم وبعض الروايات الصحيحة التي تنقل لنا أعمال الرسول (ص) التي قام بها كتفسير وتفصيل وتبيان لكلِّيات النَّصّ القرآني الخاصّ بهذه الأعمال بعد نزوله ، بعيداً عن الأعمال التي قام بها الرسول (ص) موافقة لأهل الكتاب، ومجاراة لأعراف اجتماعيَّة كانت سائدة آنذاك ـ كما سنرى في هذا البحث ـ وذلك قبل نزول النَّصّ القرآني الخاصِّ بهذه الأعمال
·        إسلام يريده بعض البشر، تحمله التصوّرات العصبيَّة المذهبيَّة الطائفيَّة لفهم بعض دلالات النَّصّ القرآني، وبعض الروايات التي منها ما هو موضوع على رسول الله (ص) ـ على الرغم من وجود بعضها في كتب الصِّحاح كما سنرى ـ ومنها ما عمله الرسول (ص)، ولكنْ قبل نزول النَّصّ القرآني الخاصِّ بهذه الأعمال، حيث عمل ذلك رسولُ الله (ص) إمّا موافقة لأهل الكتاب، وإمّا مجاراة لأحكامٍ اجتماعيَّة كانت سائدة آنذاك ..
وجميع الحروب الخارجيَّة التي قام بها المسلمون لنشر دين الله تعالى، أو قام بها الأعداء ضدّ هذه الأمَّة، كانت تقوِّي ـ في نفوس المسلمين ـ الإسلام الذي يريده الله تعالى على حساب الإسلام الذي يريده بعضُ البشر ..
أما جميع الحروب الداخليَّة بين أفراد هذه الأمَّة وعلمائها ومذاهبها وطوائفها، كانت تقوِّي ـ في نفوس المسلمين ـ الإسلام الذي يريده بعضُ البشر على حساب الإسلام الذي يريده الله تعالى ، لأنَّها في النهاية تكرِّس تمزُّق هذه الأمَّة فكراً وعقيدةً ومذهباً ..
وإذا كُنّا من أنصار الإسلام الذي يريده الله تعالى، علينا أثناء بحثنا في الروايات التي بين أيدينا لمختلف طوائف الأمَّة ومذاهبها، أن ننظر إليها جميعاً من منظار القرآن الكريم الذي تعهَّد الله تعالى بحفظه، وألاّ نعطي العصمة لأحدٍ غير رسول الله (ص) وذلك في تبليغ المنهج وتطبيق أحكامه ، وألاّ ننسى حقيقة واضحة وضوح الشمس أنَّ هؤلاء البشر ـ غير رسول الله (ص) ـ أثناء نقلهم لأعمال الرسول (ص) ، وفهمهم لبعض الدلالات التي يحملها المنهج ، قد يخطئون ... ومن يستغرب ذلك ما عليه إلاّ قراءة التاريخ قراءة مجرَّدة منذ وفاة الرسول (ص) حتى الآن، وقراءة الروايات ـ حتى في كتب الصِّحاح ـ قراءة مجرَّدة عن التوليفات والتخريجات التي أُضيفت فيما بعد على دلالات هذه الروايات .. أي علينا ألاّ نجعل أحداً حجَّةً على كتاب الله تعالى ومنهجه .. ونرجو الله تعالى أن نكون في هذا البحث من متَّبعي هذا المنهج ..
إنَّ الصحابة ليسوا ملائكة كما يُريدُ أن يقولَ بعضُهُم، وليس معظمهم من الشياطين كما يريدُ أن يقولَ بعضُهُم الآخر .. فهم بشر، وتجريدهم عن بشريَّتهم باتِّجاه الملائكة أو باتِّجاه الشيطان، هو عمل غير موضوعي ، مصبوغ بصبغة العصبيّات الطائفيَّة والمذهبيَّة .. ففي الوقت الذي نقف فيه إجلالاً واحتراماً لعظيم الأعمال التي قاموا بها من أجل نشر دين الله تعالى في مشارق الأرض ومغاربها في فترة وجيزة جدّاً، لا يمكننا إغماض أعيننا ـ من زاوية الفكر وتمثُّل المنهج ـ عن الصراعات والفتن والحروب الداخلية التي قام بها الكثير منهم ، منذ وفاة الرسول (ص) .
       وإنَّ أعمال الظلم التي وقعت على معظم أهل البيت ، وتعاطفنا معهم ، يجب – إن كُنّا موضوعيين باحثين عن الإسلام الذي يريده الله تعالى –  ألاّ تجعل منهم مطلق الأسوة الحسنة التي لا يُؤخذ التشريع إلاّ منها بعد وفاة الرسول (ص)  ... إنَّ الأسوة الحسنة الوحيدة التي حدَّدها الله تعالى في كتابه الكريم هي فقط الرسول (ص)، وفي هذا دليلٌ على أنَّ غيره – مهما كان – من الممكن أن يخطئ وينسى في اجتهاده وتبليغه لبعض حيثيات الرسالة ..
) لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ۬ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأَخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرً۬ا  (  [ الأحزاب : 21 ]
       ولو نظرنا نظرةً موضوعيَّةً إلى التاريخ والروايات التي بين أيدينا، من منظار منهج الله تعالى المجرَّد عن أيّ عصبيَّة طائفيَّة أو مذهبيَّة، فسنرى من خلالها أنَّ كلَّ الطوائف والمذاهب ـ إذا جُرِّدت عن كونها رؤىً بريئة مختلفة لجوانب المنهج ـ هي تاريخ لا علاقة له بروح المنهج، وهي محاولات لجعل التاريخ منهجاً بديلاً عن المنهج ..
وإذا كُنّا من الباحثين عن الإسلام الذي يريده الله تعالى لا الذي يريده بعض البشر، علينا أن نميِّز بين حرفيَّة الصياغة اللغوية للروايات التي تملكها كل طائفة وكلّ مذهب ، وبين الإضافات التفسيريَّة والتأويلات التي فُرضت لاحقاً على نصوص هذه الروايات ، لمحاولة إزالة الاختلاف ـ والتناقض ـ بين الكثير منها ، ولمحاولة توليفها باتِّجاه أهواءٍ مُسبقة الصنع .. فعلينا أن نأخذ الرواية كما هي بحرفيّتها وتجرُّدها عن التوليفات اللاحقة التي فرضتها العصبيّات المذهبيَّة والطائفيَّة .. وإن شاء الله تعالى أنَّنا في هذا البحث من متّبعي هذا المنهج.
       أعلم تماماً أنَّني سأتّهم ـ من قِبَلِ الذين يريدون الدين كهنوتاً يرسمون أطره كما تهوى أنفسهم ـ بالخروج عن الحق، وربما بالكفر، نتيجة هذا البحث .. وعلمي المسبق باتهامهم هذا، تحصّل معي نتيجة تفاعل هؤلاء مع الأبحاث التي هداني الله تعالى إليها، فقد كُنّا نصطدم دائماً مع هؤلاء في أيّ بحثٍ يخرج عمّا يقوله مشايخهم، وعمّا يُنقلُ عن مذاهبهم، عقيدة كان أم فقهاً، وبحيث لا تُجدي معهم الحجَّة والبرهان حتى من كتاب الله تعالى .. فالحقيقة لا علاقة لها ـ عندهم ـ بتقديم البرهان الذي يأمر الله تعالى الإتيان به : وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ‌ۗ تِلۡكَ أَمَانِيُّهُمۡ‌ۗ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَـٰنَڪُمۡ إِن ڪُنتُمۡ صَـٰدِقِينَ ( [البقرة : 111 ] ، إنَّما تتمثَّل هذه الحقيقة ـ حسب اعتقادهم ـ بمشايخهم ومذاهبهم ..
إنَّني أوجِّه ندائي ورجائي لمن يعتبر هؤلاء أسوته الحسنة، بأن لا يَقْفُ ما ليس له به علم، وأن يقرأ ويتجرَّد ويجعل من الحق ومنهج الحق، ومن العقل المجرَّد عن العصبيّات، نوراً فوق ظلمات عصبيّات الأشخاص والمذاهب والطوائف، لأنَّه سيُسأل يوم القيامة عن سمعه وبصره وفؤاده أمامَ الله تعالى ..
(وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ‌ۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـٰٓٮِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولاً۬ (  [الإسراء : 36 ]
وقد جهدتُ في هذا البحث أن أعرض الكثير من الأحاديث، وأن يكون معظمها من صحيحي البخاري ومسلم،  وذلك زيادة في الحجَّة والبرهان، كونهما من أعلى درجات الثقة .. ولو أردت عرض الكثير من أحاديث كتب السُّنن الأخرى، لعرضت أضعاف ما عُرض في البرهان على عناصر هذا البحث، ولكنَّني اكتفيت بعرض بعض الأحاديث من كتب السنن الأخرى مناسبةً وتوضيحاً للأحاديث المعروضة في صحيحي البخاري ومسلم ..
وهدف هذا البحث هو نقيض ما يتصوّره بعضهم .. إنَّ الهدف منه هو محاولة جمع الشتات الفكري لهذه الأمَّة، وليس تشتيت فكرها ـ كما سيزعم بعضهم ـ لأنَّ الشتات الفكري مسألة واقعة منذ قرونٍ عديدة .. إنَّ الهدف منه هو تحرّي سنّة رسول الله (ص) التي يريدها اللهُ تعالى ورسولُه، وليس القفز فوقها ـ كما سيتَّهمنا بعضهم ـ فاتِّباع سنّة الرسول (ص) أمرٌ قرآني لا يقفز فوقه إلاّ كلّ كافر بكتاب الله تعالى ..
) مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَ‌ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَـٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظً۬ا ([ النِّساء : 80 ]
) مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَىۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡ‌ۚ وَمَآ ءَاتَٮٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَہَٮٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْ‌ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ‌ۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ  [ الحشر : 7 ]
إنَّ كلَّ العصبيّات التي عصفت بهذه الأمَّة فكراً وعقيدة وفقهاً، ناتجةٌ عن قيام أئمة هذه العصبيّات بسوق الناس من عواطفهم وليس من عقولهم، وناتجةٌ عن تقديس الناس للأشخاص أئمةِ هذه العصبيات تقديساً أعمى على حساب مجرَّد النصّ القرآني جوهر المنهج، وناتجةٌ عن عدم الاطلاع وعدم المعرفة وعن التسليم للغير بما يقول .. ومن ينظر إلى التاريخ نظرة واعية يرى هذه الحقيقةَ بأمِّ عينه.
فهذا البحث هو ـ إن شاء الله تعالى ـ محاولة للاستفادة من الأخطاء التاريخيَّة والمذهبيَّة والطائفيَّة ، لدفع كلّ مذاهب الأمَّة وطوائفها وأفرادها باتِّجاه سبيل الله تعالى الذي تفرَّقوا عنه .. وليس محاولة ـ كما سيزعم الجاهلون ـ لتمزيق وحدة المذاهب والطوائف ..
علينا أن نعلم أنَّنا نعبد الله تعالى ، وأنَّ تحرِّي الحقّ هو جوهر عبادة الله تعالى ، لأنَّ هذا الحقّ هو اسمٌ من أسماء الله تعالى ..
) ذَٲلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِىُّ ٱلۡڪَبِيرُ  (  [ الحجّ : 62 ]
علينا أن نعلم أن بحثنا في التاريخ والصحابة وأهل البيت وروايات الأحاديث ، متوقّفٌ على صدق ما وصلنا عبر التاريخ ، ولا يعنينا ـ كفكر وكمنهج ـ الأشخاص ، إنّما الذي يعنينا هو المنهج الذي عاشه هؤلاء الأشخاص ، فنحن نبحث عن الحق كفكر وكعقيدة وكمنهج ، ولا نبحث عن الحق كأشخاص يصدر عنهم المنهج .. ولذلك لا فارق عندنا إذا أخطأ أحد الصحابة أو أهل البيت ونقلت لنا الروايات هذا الخطأ بمنتهى الصدق والأمانة ، أو إذا أصاب أحدهم عين الحقيقة ونقلت لنا الرواياتُ الصورةَ مغلوطة وخاطئة .. ففي كلتا الحالتين نحن ـ كفكر وكمنهج يمثله هؤلاء الأشخاص ـ أمام باطلٍ يُخفي عنّا الحقيقة ..
نحن لسنا في محكمة وأمامنا أهل البيت والصحابة والفقهاء ورجال التاريخ، ونريد أن نحاكمهم شخصيّاً وأن ننفِّذ فيهم الحكم .. لو كان هذا هو الواقع لكفرنا بالتاريخ وبرّأناهم جميعاً .. نحن أمام رجالٍ أصبحوا رموزاً للفكر وللمنهج، لذلك تعنينا أعمالهم ـ التي نقلها التاريخ صدقاً كانت أم دسّاً عليهم ـ لأنّها ترسم صورة تمثلُّهم للمنهج الذي يؤخذ عنهم ..
فعلينا أن نميِّز بين الرجال كحقيقة عاشوها في عصرهم ، وبين هؤلاء الرجال كما يصوّرهم لنا التاريخ والروايات ، حيث نتعامل معهم عبر هذه الصورة المنقولة لنا عبر التاريخ ورواياته .. لذلك لا تعنينا لا من قريب ولا من بعيد الحقيقة الشخصيَّة لهؤلاء الرجال لأنَّنا لا نُسأل يوم القيامة عمّا عملوا ولا يُسألون عمّا نعمل ..
تِلۡكَ أُمَّةٌ۬ قَدۡ خَلَتۡ‌ۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡ‌ۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [ البقرة : 134 ]
لذلك علينا أن ندع عواطفنا المُقَوْلَبة مسبقاً تجاه الأشخاص والأحداث ، وأن ننظر بعين العلم والبحث الموضوعي عبر منظار القرآن الكريم إلى كلّ ما هو بين أيدينا من تاريخ وروايات ، حتى نتفاعل مع المنهج بعقولنا لا بعواطفنا الهوجاء ... فنحن لا نملك إعادة كتابة التاريخ من جديد حتى نصيغه كما تريد عواطفُنا ، ولكنَّنا نملك فهم التاريخ بعقولنا ، والاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيه ، حتى يكون تاريخنا في المستقبل نظيفاً من أخطاء الماضي .. فمعرفة أخطاء الماضي هي الخطوة الأولى لرسم طريق المستقبل بعيداً عن عثرات هذه الأخطاء ، حتى لا تتكرَّر الأخطاء ذاتها مرّاتٍ عديدة ، فنبقى حتى قيام الساعة ندور في إطارها ..
حينما يؤدّي البحث الموضوعي المنطقي إلى اتِّهام رجلٍ من رجال التاريخ ( صحابي ـ راوي حديث ـ فقيه ـ عالم  ) نكون أمام احتمالين إيجابيين :
1ـ إذا كان هذا الرجل بريئاً ، فلن يناله شيءٌ من اتِّهامنا ، لأنَّنا لا نتعامل معه كشخصٍ مجرَّدٍ عن التاريخ ، إنما نتعامل معه كما يُصوّره التاريخ ، والاتِّهام يعود إلى شخصيَّته التاريخيَّة لا شخصيَّته الحقيقيَّة ، أي أنَّ الاتِّهام يعود إلى التاريخ الذي شوَّه صورته الحقيقيَّة .. ولو قُدّر له النهوض من قبره لأنكر الصورة التي نقلها عنه التاريخ والتي اتّهمناها ، ولاتّهمها بصورة أبشع من اتّهامنا لها ، ولطلب منّا ألاّ نتعامل مع هذه الشخصيّة التاريخيّة كفكر وكعقيدة وكمنهج ..
2ـ إذا كان هذا الرجل ليس بريئاً ، وبالتالي فالتاريخ صادقٌ في تصويره لنا ، نكون قد خدمنا الحقيقة والفكر والعقيدة والمنهج ، دون أن نسيء له شخصيّاً ، ولو قُدّر له أن ينهض من قبره لأنكر نفسه ، ولاتّهمها بصورة أبشع من اتّهامنا لها ، لأنّه يرى الحقيقة التي لم نرها بعد .