الخميس، 19 يناير 2017

قراءه في كتاب رحلة الدم.. لابراهيم عيسى



قراءه في كتاب
رحلة الدم..
لابراهيم عيسى
   منذ عقود طويلة لم أقرأ فى أدبنا العربي أو المصري الرواية التاريخية أو المستلهمة من التاريخ، والتي عرفناها من خلال أعمال عبدالحميد جودة السحار وعلي الجارم باستثناء روايات قليلة لبعض الروائيين المعاصرين مثلما في أولي روايات نجيب محفوظ التاريخية وروايات متفرقةلآخرين ومنهم جمال الغيطاني وإبراهيم عبدالمجيد ومحمد المنسي قنديل وغيرهم لكن فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي القديم.
ونعني فترة صدر الإسلام منذ بواكيرالخلافة بدءا من أبوبكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان وصولا لما بعد على بن أبي طالب فإننا نفتقد روايات مستلهمة أو تقدم توثيقا روائيا لها ربما لأنها منطقة شائكة ومسكوت عنها رغم وجودها يقينا في الكثير من المصادر الموثوقة ورغم الإجماع على تأكد وقوعها حتي خرج علينا الكاتب الصحفي والإعلامي والروائي إبراهيم عيسي بروايته )رحلة الدم( ، والتي تقع في سبعمائة صفحة و82 فصلا ، غير أن تجربة إبراهيم لاتمثل سيرا على مافات من نماذج الرواية التاريخية فهي تجربة مختلفة تماما وخارجة عن النمط وتبلغ فيها أنسنة التاريخ ذروته .
والسؤال كيف تم بعث هذه الشخصيات روائيا على نحو سنعايشه نابضا بالحياة روائيا وكذلك الأمر ما وقع من أحداث تاريخية وكأنه يشاهد عملا دراميا، وهناك قارئ آخر سمع عن هذه الشخصيات ولم يعرف عنها سوي مشاركتها أوالقيام بالأحداث الجلل الخارجة عن الإسلام في صدرالإسلام ومن خلال قراءته سيتكشف له الكثير من ملامح هذه الشخصيات وتركيبتها النفسية والمعرفية التي دفعتها للقيام بهذه الجرائم الجلل وهي اغتيال اثنين من صحابة رسول الله على يد إسلاميين من حفظة القرآن أو ممن تربوا في بيوت الصحابة ثم شاركوا في قتلهم لشئ أوغر صدورهم ، ومهما يكن من أمر فالرواية مثيرة في شخصياتها وأحداثها وتتكشف معها شخصيات مهمة أخرى في التاريخ الإسلامي وأحداث أخرى كبيرة وصغيرة لم يعرفها عوام المسلمين فضلا عما تقدمه الرواية من قراءة لذهنية الشخصيات الرئيسية في هذه الحقبة الساخنة وقد استحلت دم الصحابة أنفسهم وخولت لنفسها وضع حدود التحريم والتحليل .
وسيدهش قارئ الرواية أن كثير من شخصياتها نزحت إلى مصر بعد دخول الإسلام وأنها خططت لجريمتها فيها وأنها بدأت بالنيل من رجل الخليفة عثمان أمير المؤمنين وواليه على مصر عبدالله بن أبي سرح الذي ولاه عثمان على مصر بدلا من عمرو بن العاص الذي عمد لإزكاء نار الفتنة الكبري للإطاحة بالاثنين بن أبي سرح وعثمان تطلعا لعودة ولاية مصر له.
 رواية«رحلة الدم» ممتعة ومثيرة وشائكة وتعيد بعث شخصيات إسلامية على محك روائي ودرامي فصارت نابضة بالحياة ولعل بعث هذه الشخصيات روائية على نحو مدقق ومحايد سيغير الكثير من الصور الذهنية الراسخة لدي كثيرين عن شخصيات إسلامية بارزة في صدر الإسلام تمتعت بقداسة في أذهان كثير من المسلمين ذلك أنهم لم يحيطواعلما بالمناطق المسكوت عنها في التاريخ الإسلامي وبخاصة في صدر الإسلام وأزعم أن بعث هذه الشخصيات روائيا وما أكثرها قد أرهق ابراهيم عيسي أيما إرهاق خاصة في تحقق حضور روائي حيث تتفاعل مغ بعضها البعض وتشارك في الحدث الروائي والذي هو بالأساس حدث تاريخي موثوق لايمكن لأحد علماء الإسلام المحدثين والموضوعيين والذين يتحلوا بالأمانة العلمية وبالأخص المؤرخين الإسلاميين أن ينكروا شيئا مما ورد من شخصيات ووقائع وهنا يكمن الذكاء والحرفه الروائية لإبراهيم عيسي الذي استولت عليه الصحافة والإعلام فأثرت على انتاجه الروائي الذي كان قليلا.
وتبدو الرواية رواية محرضة على أكثر من مستوي ومنها تحريض عموم القراء على إعادة قراءة التاريخ الإسلامي وبالأخص المتعلق بهذه المنطقة الشائكة فيه والتي كثيرا مايتحاشي رجال الدين الرسميين وأيضا المتأسلمين الحديث عنها باعتبارها عورة ومسبة في التاريخ الإسلامي أما المستوي الثالث من هذا التحريض الروائي فيكمن في أن الدراما والسينما في العالم العربي ككل لم تنتج عملا دينيا عن هذه الفترة الدموية من التاريخ الإسلامي التي تقاتل فيها رموز الإسلام الأوائل على السلطة لدرجة دفعت أحدهم لقذف الكعبة بالمنجنيق وقتل مجموعة من الصحابة الأوائل دون اعتبار لأي شئ وأيضا أن نجد ابن أبي بكرالصديق يشارك في قتل عثمان بن عفان «ذي النورين» الذي تزوج ابنتي الرسول أحداهما بعد وفاة الثانية وأوقف مال تجارته الرابحة على البعثة المحمدية، ليس هذا فحسب وإنما حتي كل الأعمال التي لاتتحدث عن مناطق شائكة في التاريخ الإسلامي فإننا نجد الإسلاميين وكذلك الأزهرعارضوا أعمالا تاريخيةعن أنبياء وشخصيات إسلامية ولذلك فإن الرواية وفق بنائها المشهدي والتحليلي للشخصيات والأماكن والوقائع تمثل إغواء لصناع الدراما والسينما ولكن بالقطع سيتجنب العرب والمصريون هذا الإغواء تفاديا بالرفض المؤكد والمسبق ودولة وحيدة هي التي يمكن أن تجترئ وتقدم على تنفيذهذا العمل دراميا أو سينمائيا وهي إيران التي قدمت مسلسلا عن تلك الفترة الشائكة من التاريخ الإسلامي وهي الفترة الدموية حيث الاقتتال على الخلافة والحكم.
وعلي طريقة الفلاش باك بدأ إبراهيم عيسي روايته من مشهد مثير يحتل الفصل الأول للرواية وهو لعبدالرحمن بن ملجم المرادي وشبيب وهما في انتظار خروج أمير المؤمنين على بن أبي طالب ليؤم الناس في صلاة الفجر لاغتياله حيث يرون في أمير المؤمنين كافرا وخارج على الملة وهي أوصاف تطابق الأوصاف التي يطلقها المتأسلمين الآن على خصومهم ولقد جاء هذا المشهد في لقطات متلاحقة يختطف الحواس وكان اختيار هذا المشهد كانطلاقة لسائر أحداث الرواية بمثابة الدفعة القوية والجاذبة للقارئ والتي تدفعه دفعا في ملاحقة أحداث الرواية التي تقدم قراءة لدواخل شخصيات تاريخية وإسلامية لانعرف منها إلا ما أراد الآخرون لنا أن نعرفه مثل عمرو بن العاص وينتهي المشهد باغتيال على بن أبي طالب لتتدفق الأحداث بعدها ب«فلاش باك» يبدأ قبل هذا الحدث بعشرين عاما غير أن الرواية في مجملها تقع فصولها بين مشهدي اغتيال حيث تبدأ باغتيال على بن أبي طالب وتنتهي بمشهد اغتيال عثمان بن عفان فيما أن ملابسات اغتيال وقصة اغتيال على بن أبي طالب على يد  ابن ملجم ليست مذكورة في الرواية أو تمثل جزءا منها ولكن ابراهيم عيسي جعل منها انطلاقة وبداية روائية لهذه الرواية التي تدور أصلا ويدور جميعها حول اغتيال عثمان فقط حيث ظل على بن أبي طالب حيا إلى آخر الرواية – وفق منطق اللعب على فكرة الزمن – مايعني أن اغتيال ابن أبي طالب له رواية أخرى أحد أبطالها كان حاضرا طوال الوقت خلال هذه الرواية وهو ابن ملجم المرادي قاتل على لكن ورواية كهذه خليقة بإغواء كتاب الدراما غير أن حاجز التحريم سيحول دون تحقيق حلمهم سواء من قبل المؤسسة الدينية الرسمية التي تصف نفسها بالوسطية أو من قبل إسلاميين يعدون أنفسهم أوصياء على الإسلام وتاريخه دولة وحيدة هي التي يمكن أن تجترئ وتنفذ عملا كهذا سينمائيا كان أو دراميا وهي إيران التي انتجت الكثير من الأعمال التي ووجهت بالتحريم.
ونواصل القراءة في رواية إبراهيم عيسي المثيرة للجدل"رحلة الدم "وهانحن بعد الفصل الذي تناول مشهداغتيال علي بن أبي طالب نري عمروبن العاص قد ضاق ذرعا وتملكه الضيق من طول حصاره لحصن بابليون في مصر بجيش معظمه من اليمن وقد وصف عيسي هيئة عمرو بكامل الدقة وكأننا نراه وفيما هوجالس علي أريكة في خيمته متباطئا في فتح رسالة أمير المؤمنين عمربن الخطاب وكأنما توقع ماجاء فيها فقد قبل ابن الخطاب زحف بن العاص إلي مصر في تردد وكان ابن العاص متلهفا لفتحها بل ويعرف قسوة ابن الخطاب مع رجاله وقد صدق توقعه إذ بدأ ابن الخطاب رسالته بعبارة :"إلي العاص ابن العاص" وعنفه علي إصراره السير إلي مصر بهذا النفر القليل من الرجال وطلب منه إذا لم يكن قد بلغ حدود مصر أن يعود أدراجه بما معه من رجال أو ينتظر المدد ، ولفت نظر عمرو بن العاص ذلك الشاب الذي جاء مرافقا لرسول ابن الخطاب ولم يكن هذا الشاب سوي عبد الرحمن بن ملجم المرادي ولفت نظر عمرو أن هذا الشاب لم يكن يحمل سيفا فقد أرسله ابن الخطاب ليعلم الجنود دينهم ويتلو عليهم القرآن ويحفظه لهم فما جاء لمشاركة في قتال وأمر ابن الخطاب عمرو بن العاص أن يبني لهذا الشاب بيتا بجوار الجامع الذي سيبنيه في مصر حتي يسعي له الناس ويتعلموا منه ثم في مشهد آخر وهذه المرة في مكة ونري ابن ملجم في صحبة معاذ بن جبل لآداء فريضة الحج وكان هناك عبدان يصحبان معاذا يعينانه علي السير لعرج في ساقه فيحملانه علي دابته فيما كان ابن ملجم الرفيق الحارس لمعاذ والتلميذ التابع بعد سنتين ظل فيهما يجلس تحت قدميه خادما لأستاذه ويصلي وراءه فلما صار معاذ يملك أكثر من خادم تحول ابن ملجم إلي تلميذ مرافق وينقل له عن الناس أسئلتهم وحاجاتهم في الدين والدنيا واعتاد الناس في اليمن أن  يروا ظله وراء معاذ حيث كان خادم من استخلفه النبي علي اليمن ، وحين رأي ابن الخطاب معاذا في الحج ووجد ماحوله من خدم سأله لمن هؤلاء الوصفاء فقال معاذ هم لي فيقول عمر من أين ارتزقت ومتي كسبت؟ فقال معاذ :هم هدية فقال له عمر أرسلهم إلي أبي بكر فإن لم ير في ذلك خطأ وحراما فهم لك فقال معاذ لن أطيعك في شئ ولن أرسلهم إلي أبي بكر هم هدية لي، لقد كان معاذ تثقله الديون أيام النبي فباع النبي ممتلكات معاذ فلم يف إلا بخمسة أسباع مما عليه ثم أرسله النبي إلي اليمن لعله يصيب شيئا فيها مقابل تعليم الناس دينهم فها هو ابن الخطاب الذي ودع معاذ مديونا وقد فر بحريته قبل أن يصير عبدا مقابل ديونه يراه عمر وحوله الخادمون والحرس وقد فات معاذ ماقاله ابن الخطاب كيف يتم له الحج قبل سداد الدين فالتقي أبي بكر وأطلق خادميه وسدد ديونه.
 ويعود بنا إبراهيم عيسي مجددا للقاء ابن ملجم بعمرو العاص في مصر والذي لم يشعر لحظة أنه يحارب أقباط مصر أو أن أقباط مصر يتصدون له بل رأوا فيه خلاصا من اضهاد الروم الذين يريدون فرض مذهب مسيحي عليهم فلما وصل مدد أمير المؤمنين أربعة آلاف محارب آخرين وعلي رأس كل ألف منهم قائد يساوي أربعة آلاف وعاين ابن ملجم القادة الأربعة فكانوا عبادة بن الصامت والزبير بن العوام والمقداد بن عمرو ومسلمة بن مخلد.
وهناك موضع من الرواية يترجم موقف قبط مصر من دخول عمرو بن العاص بجيشه مصر فالبطريرك بنيامين الهارب من اضطهاد الروم يدخل في حوار مع تلميذه أبي مريم الذي يتتبعه أينما كان مكان اعتكافه فكان بالنسبة له عينه وأذنه ينقل له الموقف ويستمع إلي نصائحه وأوامره لقبط مصر وهاهو بنيامين يشرح لتلاميذه وتابعيه :"لقد جاءكم كفار يعلقون الصليب علي أعناقهم ويدعونكم لاعتناق مذهب ساقط" ، وكان المقوقس قد عاث في الأديرة والكنائس فخربوها ومثلوا بكهنتها وهاهو البطريرك يقول لأبي مريم حين التقاه :"خلاصنا اقترب يا أخي" فقال له أبو مريم لقد وصل عمرو بن العاص مؤكدا صحة الأخبار التي وصلت إلي البطريرك كما أكد للبطريرك أن الأقباط التزمواالتعليمات ولم يشهروا سيفا في وجه رجل من رجال ابن العاص وسأل البطريرك ولكن من يضمن لنا أن هؤلاء العرب لن يجبروناعلي دخول دينهم ويسوموا المصريين سوء العذاب؟  فقال البطريرك نحن لم نغير مذهبنا لإرضاء الروم فهل نترك ديننا أم المسلمين؟  سوف نري منهم تسامحا وعزوفا عن التدخل في ديننا خاصة وأنكم تعاونتم معهم أثناء سيرهم إلي مصر.
وفي مصراقترب من عبدالرحمن بن عديس أحد من بايعوا النبي في بيعة العقبة وصاحبه المرادي وأحبه وقال له ابن عديس القرآن الذي تملك حفظه لايملك أن يرفع سيفا ليقاتل والسيف الذي يملكه غيرك لايقدر علي تلاوة سورة اتل انت ويحاربون هم، وكان أغلب من تعرف عليهم ابن ملجم من الجنود من قبائل اليمن ومنهم ثلاثة آلاف من قبيلة "عك" وقد خرجوا للعراق وحاربوا في فارس ثم الشام وحين قرأ ابن ملجم سورة البقرة دخل معه بن عديس في مساجلة حول اختلاف نصوص بعض من آياتها.
تماما مثلما دار بينهما حوار آخر مهم تكمن فيه مفارقة اغتيال بن ملجم لعلي بن أبي طالب إذ سأله ابن عديس أثناء رفقتهما في مصر ألا تحمل سيفا يارجل ؟ في معسكر حربي الطباخون والسقاؤن يملكون سيوفا ورماحا وخناجر.  ثم صحبه ابن عديس في سيره بحثا عن المصري صالح القبطي (أحد الصحابة ) وأثناء سيرهما سأله ابن عديس عن مصحفه فقال أحفظ القرآن كله في قلبي فسأله ابن عديس :"فهل منحك الله عقلا يعين قلبك؟" وحين اجتمع ثلاثتهم كان الحوار المهم حين قال صالح أن الروم يريدون إجبار المصريين علي دخول مذهبهم فقال ابن ملجم وهل هناك أكثر من مذهب والدين واحد والنبي واحد فرد ابن عديس ديننا نحن أيضا واحد ونبينا واحد وآلهنا واحد وتحاربنا بعد وفاة الرسول ولقد اختلفنا منذ أيام في مصحفنا والناس هنا غير الناس هناك" وقد أدهش وربما أغضب وأحبط ابن عديس عدم إحساس ابن ملجم بروعة النيل ولحظة الغروب علي صفحته وقال له لقد ختم الله علي قلبك الغلظة إنك أعمي ... ولاتنسي النساء" وكان اللقاء الذي جمع صالح القبطي مع أبي مريم تلميذ البطريرك وابن عديس وابن ملجم.
وكان الفصل العاشرمن الرواية الذي دارعن ماريةالقبطية التي أهداها المقوقس للرسول وتزوجها وصارت حاملا بابنه إبراهيم ودار حديث أنها حملت من ابن عمها وخادمها مابور والذي هو صالح القبطي بعث له النبي علي بن أبي طالب ليقتله فإذا به يتأكد أن مابور خصي وقد دهش ابن ملجم فذكره ابن عديس بحديث الإفك الذي طال عائشة وكان ممن اتهموها بعض من الصحابة حتي أن النبي جلد صاحبه وشاعره حسان بن ثابت لأنه كان ممن طعنوا في السيدة عائشة إلي أن برأها الله ثم أهدي حسان بن ثابت الجارية الأخري سيرين أخت ماريا التي بعث بها المقوقس تطييبا لخاطره.
 وتمضي الرواية بأحداثها المتدفقة في فصول هي أشبه بالمشاهد المتدافعة الحية بفضل الحوار الذي يعيد قراءة العديد من المواقف التاريخية وعلاقة الفتح الإسلامي بأقباط مصر الذين عاشوا اضطهادا في ظل حكم الروم الذين أرادوا فرض مذهب مسيحي عليهم فأبوا وقبلوا بدخول المسلمين إلي مصر لكسر شوكة المقوقس كما لم تخل الرواية مما يمكن وصفه بالسجالات الفكرية والعقائدية كما أن المقوقس كان مخطئا حينما لم يستجب لنصيحة هرقل علي يد أحد رسله للمقوقس أن "حبب إليك المصريون ولاتثقل عليهم بالضرائب أو إرغامهم علي تغيير مذهبهم " ورفض المسلمين إغواء المقوقس المالي لينصرفوا عن مصر ولكن المسلمين لم يستجيبوا وأصروا علي تسليم مصر.
       ورسم ابراهيم عيسي سردا لمشهد نجاح المسلمين في اقتحام حصن بابليون فكأنما نراه ونسمعه ونحيط  بدواخل المشاركين فيه وعلي رأسهم الزبير بن العوام الذي دفعه حماسه للاجتراء علي عمرو بن العاص يستعجله فتح حصن بابليون والنأي عن التفاوض مع خصومه الروم كما أورد عيسي تلك المنافسة والعداوة بين ابن ملجم وجبلة في حفظ القرآن والاختلاف علي صياغة بعض آياته حتي وصل بهما الأمر للتشاتم والتلاكم ومما اختلفا فيه أن ابن ملجم يقرأ من سورة البقرة "وأتموا الحج والعمرة للبيت " كما حفظها عن معاذ فيما حفظها جبلة عن زيدعلي هذا النحو"وأتموا الحج والعمرة لله" وتم التحكيم بينهما بأن القراءتين صحيحتين تلك التي عن عبد الله بن مسعود والأخري عن معاذ كما لم ينس ابراهيم عيسي نعت ابن عديس وآخرين من الصحابة لأم عمرو بن العاص حيث ينادونه في لحظات غضبهم منه بقولهم "يا ابن النابغة"وتنقلها في الجاهلية من رجل إلي آخر كما كانت نابغة في شأن آخروهو الغناء وقد أهداها عبد الله بن جدعان إلي العاص أبو عمرو ثم أنجبت من رجل ثان ابنها عقبة بن نافع.

    أراد عثمان توحيد المصحف للاختلاف في القراءات فلاقي الأمرين
    وامتنع ابن ملجم عن تسليمه.
 في هذا الجزء الثالث من القراءة التي نقدمها لرواية (رحلة الدم ) يحقق إبراهيم عيسي نقلة أخرى حيث أبطال آخرين للرواية فها هو عبدالرحمن أيضا ولكنه عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق والذي كان اسمه سابقا قبل دخوله الإسلام عبدالعزي واختار له الرسول اسم عبدالرحمن بعد دخوله الإسلام وهو قرة عين اخته عائشة (السيدة عائشة أم المؤمنين) فهو الذي كان يهدئ من روعها ويؤنسها ويدللها وكان سندها حين وقع حديث الإفك وكان يرفق بها ولم يكن من السابقين في دخول الإسلام رغم أن أبيه أبوبكر كان أول من دخل الإسلام فقد شارك عبدالرحمن المشركين في معاركهم ضد النبي في موقعتي بدر وأحد إلى أن أسلم في صلح الحديبية وهذا أيضا أخوها محمد الذي كفله على بن أبي طالب بعد وفاة أبيها أبوبكر وتزوج على من أرملة أبي بكر وكان محمد مايزال صغيرا ومحمد هذا هو الموصوف ب«عابد المدينة» وهوتربية صحابيين من أوائل الصحابة أبوه أبوبكر وعلي بن ابي طالب زوج امه وكان موضع حب الجميع ومنهم عثمان بن عفان ثم تلك المراسلات الكثيرة المتبادلة بين عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص حول خراج مصر ثم مجئ عثمان بن عفان خليفة فأغدق على الناس من الخراج وبيت المال وقصة زواجه من نائلة بل مشهد الليلة الأولي من زواجهما في وصف تفصيلي وهاهو عثمان الذي ضيع خاتم النبي من إصبعه إذ سقط منه في البئر وهو الخاتم الذي توارثه خلفاء النبي.
وهاهو غلامه الذي كفله محمد بن أبي حذيفة يتطاول عليه أكثر من مرة بسبب ضياع خاتم النبي والخلفاء كما يلح في طلب ولاية منه على إحدي ولايات الإسلام فلايجبه عثمان فيقر محمد السفر إلى مصر ثم تقوم نائلة بزيارة عائشة للمرة الأولي وقد حملت إليها هدية جاءت  للخليفة من مصر وهي عباءة قبطية وقالت لها عائشة حين عاد زوج اختي اسماء من مصر طلقها وأنه كان يضربها فأخذها ابنها عبدالله إلى بيته وهذا عثمان يشكو لزوجته نائلة تنمر رجاله وصحبه ورعيته عليه رغم تجاوز فتوحاته  أبي بكر وعمر بن الخطاب ورغم إغداقه على رعيته ولم يمنحه طلحة صديق مسيرته الإجابة بالبيعة في مواجهة على بن أبي طالب كما لاقي عثمان الأمرين في توحيد المصحف وبخاصة في مواجهة عبدالله بن مسعود كما أنه يعاني جفوة عبدالرحمن بن عوف وأبوذر الغفاري كما أن على بن أبي طالب يري نفسه الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان وهاهو لقاء عاصف بين عثمان وعمرو فعثمان أراد تولية أخيه في الرضاعة عبدالله بن أبي سرح على صعيد مصر شرطا لتولي عمرو حكم مصر، وعمرويتأفف فيقول لعثمان إذن لنولي ابن أبي سرح على مصركلها وتوافقت كراهية محمد بن أبي حذيفة ومحمد ابن أبي بكر وعمرو تجاه عثمان وكان عمرو يري فيهما جعبة سهام ضد عثمان وظل حلم عودته لحكم مصر يراوده ويحرك نوازعه ومخططاته كما عارض على بن أبي طالب سياسته في حكم الرعية وفي التعامل مع بيت المال كما أخذ عمرو بن العاص يوغر صدر الآخرين عليه خاصة بسبب مواقفه الصارمة من عبدالله بن مسعود ومن بعده عمار بن ياسر ويجمع لقاء بين على وعثمان ويعاتبه ويراجعه على في أمور الخلافة وتولية الصالح من الولاة لا الأقارب، وأن يشتد عليهم ويراجعهم مثلما كان يفعل عمربن الخطاب وانتهي اللقاء بعثمان الذي صحب على معه إلى جلسة ضمت طلحة بن الزبير وعمرو بن العاص وعمار بن ياسر الذين فوجئوا بالمداهة التي عنيها عثمان وأراد لعلي أن يحيط بما يحاك ضده وهاهو عمرو بن العاص لايجد نارا على عثمان إلا وألقي فيها حطبا وهاهو في مشهد آخر يستثير ويستحث الناس على عثمان قائلا :«وهل نسكت على عثمان حتي يضرب فينا بالأمس ابن مسعود واليوم عمار ومن غدا هل على أم الزبير أم أنت ياطلحة؟»فيقول طلحة :«والله مانَسْكُت على هذا الرجل أبدا» والحوار يدور على مسمع من عائشة والتي تقول :«مايفعله عثمان من تنفير صحابة نبيه والاستسلام لبني قرابته مالا يجعله في عيوننا خليفة».
وهاهو عبدالرحمن بن ملجم المرادي قابع في بيته في مصر يمتنع عن تسليم المصحف الذي يمتلكه حين كان عثمان يجمع المصاحف ليوحدها وكان التنافر بين قراءتين في القرآن فاقترح عبدالرحمن بن عديس في المسجد أن من يقرأ عن قراءة عبدالله بن مسعود يذهب إلى يمين المسجد ومن يقرأ قراءة زيد يصلي في شمال المسجد حتي تم توحيد المصحف وانتزعوا المصحف انتزاعا من ابن ملجم وأحرقوه.
وفي مصر تدور المواجهة الساخنة بين عبدالرحمن بن عديس وبين والي مصر عبدالله بن أبي سرح وذكره ابن عديس بأنه حين كان يبايع الرسول كان بن سرح مرتدا وطلب الرسول دمه حتي لو تعلق بأستار الكعبة وهو الآن يحظي بولاية مصر لقربه وقرابته لابن عفان ويرسل الخراج لآل عثمان وصحبه ونسي جنوده في مصر.
ثم وصل المحمدان مصر محمد بن أبي حزيفة الذي استولي على السلم الذي صعد به الزبير حصن بابليون حين اقتحم دار الزبير ووصل بالسلم حيث دار محمد بن ابي بكر الصديق ووضع فيها السلم وصارت هذه الدار مقرا سريا لمخططات ال«محمدين» ولدعوة سرية جهرا بها لاحقا بالعصيان لعثمان الذي يريانه لا يقيم العدل ويبخس الجنود حقوقهم ويندهش عبدالرحمن بن عديس لهذه الكراهية في قلب محمد بن أبي حذيفة لعثمان وهو الذي كفله ورباه فقال له ليس لعثمان طاعة حين يعصي الله ثم يقوم محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر بعلم من عبدالرحمن بن عديس باختلاق واقعة أن زوجتي النبي عائشة وأم سلمة قد بعثنا برسالة إلى المسلمين في مصر للاستغاثة بهم من جور عثمان ثم ينتصر ابن ابي سرح على الروم في معركة ذات الصواري ويجد نفسه بعدها مستدعي من قبل أمير المؤمنين تتنازعه الأسئلة ويبدو غير مطمئن لهذا الاستدعاء.
وعلي الجانب الآخر كان عبدالرحمن بن عديس على قناعة محمد بن أبي بكر الصديق لايحب عثمان لوضعه بني أميه فوق أعناق الناس ولا عبدالله بن أبي سرح كما يكره أسلوب إمارتهما إلا أن ابن ملجم كان يري في عثمان مرتدا وعلي آية حال فقد تسرب خبر سفر ابن أبي سرح لأمير المؤمنين إلى ابن عديس ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة وعمرو بن الحمق وقد علموا أنه قد تم استدعاء كل ولاة الأمصار ورأي ابن عديس أن يلحق به فريق منهم حيث أمير المؤمنين حيث هناك أنصار لهم يعارضون خلافة عثمان واستقر الرأي على هذا الأمر وأن عدد من سيسافرون من معارضي عثمان نحو 600 رجل في شكل مجموعات عبدالرحمن ابن عديس على واحدة  ومحمد بن أبي بكر على أخرى وعمرو بن الحمق على واحدة.
ويلتقي هؤلاء وغيرهم على بن أبي طالب ويطلبون منه أن يلعب  دور الوسيط لإنفاذ أحد للخيارين إما تخلي عثمان عن إمارة المسلمين أو يعود عما ينتهجه من أسلوب للحكم وأن يكون الأمر سواسية بين رعيته وأن يتخلض من حظوته من الرجال المحيطين به من أصدقائه أولهم مروان رجله الأول ومسؤل أمنه وابن أبي سرح ومعاوية في الشام ويستجيب على بن أبي طالب ويذهب لعثمان الذي يصطحبه ويداهم جلسة سرية في سقيفة بيت الزبير الذي يتصدر جلستها بينما عمرو بن العاص وطلحة وعمار ووجوه من رجالهم وأبنائهم وأدرك على أن عثمان يعرف بأمر هذه الجلسة وقد فوجئوا بحضوره وبهتوا وكأنه يشهد عليهم عليا وقال لهم كلمة هي قطعة أدبية بحق بلغت ذروة سنام بلاغة الأوائل وكأنها تمثل دستورا لحاكم على أمة لا يعجبها العجب وإنما تحركها المطامع حيث قال فيهم :
«اسمعوا فإن لكل شئ آفة ولكل أمر عاهة وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يشْهدون الناس مايحبون وما يُسَرون مايكرهون يتقولون للناس حتي يدفعوهم ليصبحوا نعاما يتبعون أول ناعق ...ألا فقد والله عبتم على بما أقررتم لعمر بن الخطاب بمثله ولكنه وطئكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم أو كرهتم لا ناقشتم ولا رفضتم ولاغضبتم ولا واجهتم ولا تلاسنتم ولا هجتم ولا أشعلتم فتنة الناس ضده ولنت لكم وأوطأتكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم على ....أما والله لاأنا أعز منكم نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا وإن قلت هلم أتي إلى ولقد أعددت لكم أقرانكم وأفضلت عليكم فضولا وكشرت لكم عن نابي وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا لم أنطق به فكفوا عليكم ألسنتكم وطعنكم وعيبكم علي»
   المتربصون بعثمان منعوا عنه الزاد والماء
 نصل في رواية إبراهيم عيسي إلى بدء استحكام الأزمة فيذهب على بن أبي طالب إلى عثمان بن عفان ويطلب منه أن يذهب للناس في المسجد يخطب فيهم ويعدهم ألا يعود لما يكرهونه فيه وقال فيهم :والله ماعاب من عاب منكم شيئا على أجهله ولقد ضل على رشدي ومن زل فليتب ومن أخطأ فليتب ولايتمادي في الهلكة أستغفر الله مما فعلت ...إلى آخر خطبته وطلب أن يمهلوه ثلاثة أيام فيغير من نهجه وولاته على الأمصار وهلل الناس بشرا كما تنصحه زوجته نائلة ألا يستمع لنصائح مروان فهي التي عقدت الموقف ثم يأتي مروان مجددا ويعاود نصح عثمان بألا يبدو ضعيفا فقد كان ابن الخطاب أشد منه ولم يتمرد عليه أحد ذهب إليه ولم يكن مروان هناك فلما عاد ظل يكيل له النصائح السيئة التي دفعت عثمان للنكوص عن وعوده للناس ثم نصل لاندفاع العشرات كالطوفان تجاه بيت عثمان ومنهم الشاب عبيد زوج المرأة حبي واقتحم على بن أبي طالب الجموع ونادي على عثمان ففتح له الباب وعلي أثره عبدالرحمن بن عديس ومحمد بن أبي بكر ومحمد بن مسلمة والزبير وطلحة وعمرو بن الحمق وحال ابن عديس ومحمد بن أبي بكر دون تدفق الجموع إلى باحة البيت وكان مع عثمان مروان وسعد بن العاص وقليل من بني أمية وبدأ علىّ ومعه عبدالرحمن بن عديس يعددان مسالب عثمان عليه وكرر ابن عديس مطالب الرعية في إقالة ابن ابي سرح والي مصر ومروان وأن يقيل ولاته من ذريته من بني معيط كما لام عثمان على تسويفه ومماطلته رغم ماقطعه من وعد بالاستجابة لمطالب الرعية كما عيروه بعدم مشاركته في غزوة أحد فقال عثمان أن ابن الخطاب فعل مثله بعدما أشاعت قريش أن النبي قد مات وأن أحدا لم يعير بن الخطاب على هذا وسامحهما النبي فقال له عمرو بن الحمق أنت أحرقت القرآن فرد عثمان: وإنما وحدت القرآن مع اختلافات قرائه وزعم كل منهم أن قراءته هي الصحيحة وفي النهاية أقررت القرآن الذي قرئ على النبي وأقره فقال ابن عديس نفيت خيارنا وضربت أطيبنا ووليت سفهاء أهل بيتك فقال كان عمر بن الخطاب يضرب بدرته ويؤدب بعصاه أمراء ودهماء وكان الكل يتقبل صاغراكما نفي عثمان أنه بعث برسالة لابن أبي سرح يتخلص من خصومه في مصر وعرف أنه من تدبير مروان رجله الأول فطلبوا تسليمه لهم فرفض وأصر الحاضرون مع على أن يخلعوا عثمان من الخلافة فقال لهم والله لا أخلع قميصا ألبسنيه الله فصرخ فيه ابن الحمق بل نمزقه على جسدك وترك على بن أبي طالب المكان وفي إثره الزبير وطلحة وغادر عمرو ابن الحمق وعبدالرحمن بن ملجم.
وظل محمد بن أبي بكر على باب عثمان يقود الحصار فيما رفض البقاء معه مالك الأشتر وبقي زوج حبي عبيد الليثي وعبدالله بن الزبير وطلحة مع ابن أبي بكر وقد عاين مالك الأشتر قيام من جاءوا من مصر بسد كل الطرق المؤدية لدار عثمان بل ومنع المحاصرون عثمان من الخروج حين كان يهم بإمامتهم في الصلاة ،ثم يعود ابن أبي سرح إلى مصر تاركا وراءه عثمان في مواجهة محمد بن أبي بكر وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي حذيفة وعبدالرحمن بن عديس وطلحة رفيق تجارة عثمان والذي أسلم بين يدي النبي في نفس لحظة إسلام عثمان وكنانة وسودان وجبلة ومعظمهم كانوا في جيش عمرو بن العاص الذي أوغر صدره إقالته من ولاية مصر وفي طريقه إلى مصر أيقظه رجاله على كارثة إذا داهمته فرقة من رجال عبدالرحمن بن عديس والمصلون خلف ابن أبي بكر وقالوا له أنهم بايعوا محمد بن أبي حذيفة أميرا على مصر وعليه العودة من حيث أتي وإلا قتلوه وفي المدينة طلب عمار بن ياسر إخفاء خبر ابن أبي حذيفة في مصر لمن يحيطون ببيت عثمان دون أن يسعي على بن أبي طالب لردهم وردعهم وقد منع المحاصرون المدد عن بيت عثمان 22 يوما حتي أنه لم يعد فيها ماء ويفاجئ على بن أبي طالب الجموع التي تحاصر بيت عثمان حاملا قربة ماء وهو ينهرالجميع وهو يقول ويحكم ياغلاظ القلوب مارأينا هذا في جاهلية أو إسلام أتمنعون صاحب رسول الله وصهره من شربة الماء؟ غير أن الجموع منعته عن الدخول قائلة :«إبتعد يا إمام فلن يدخل أحدا لهذا الرجل وطوحوا بقربة الماء بعيدا وتبرأ على من هؤلاء وألقي بعمامته صائحا :»ياعثمان أنا برئ منهم«
ثم زارت أم سلمة زوجة الرسول السيدة عائشة زوجة الرسول أيضا وهي حزينة ومكدودة وهي تقول لعائشة كنا من أعلناها غضبا على عثمان حين تطاول قومه على عمار وأبي ذر وعبدالله بن مسعود وحين كنا نراه يضع غلمان بني معيط من بني عمومته على رقاب المسلمين في الأمصار أليس كذلك فقالت لها عائشة مهدئة من روعها أي نعم فقالت أم سلمة لكننا والله لانسكت على مايحدث لعثمان ولايجب أن نسكت فتنهدت عائشة وقالت إنهم غوغاء المدينة وعصاة مصر فقالت عائشة ماذا تفعل النساء وقد عجز الرجال ؟
وهاهو عثمان بن عفان يطل من نافذته على الجموع التي تحاصره ويخطب فيهم فلا يعيرونه أذانا صاغية فيقول لهم :«حين ضاقت ساحة مسجد رسول الله على مصليه وبتنا نتزاحم في صفوفنا فيه فما كان مني منذ أعوام إلا أن اشتريت البيوت من حوله وتوسعت في ساحته وزدت أرضه ثم أنتم اليوم تمنعوني من الصلاة فيه»... فلم يجيبه أحد فأردف قائلا :«هل تعرفون أننا كنا في عهد رسول الله نشتري الماء من بئر رومة اليهودي وكان يبيعنا الماء بغلاء سعره وبأمره وهواه فعز على فقرائنا ومهاجرينا ثمنه فقال النبي من يشتري بئر رومة ويوسع بها على المسلمين وله بها الجنة ؟  فاشتريتها بمالي بعشرين ألف سبيلا لله يشرب منها المسلمون وأنتم تمنعون عني الآن شربة ماء منها !»فلم يجد عثمان قلوبهم إلا صخرا ولم يتأثروا ولم يترفقوا وهاهو عبدالرحمن بن عديس يقول لملك الأشتر :«إذن هو ينتظر أن نقتله»وقد حاصرناه أربعين يوما كما خشي ابن عديس أن يأتي جيش معاوية من الشام ليعين عثمان وجميعمهم قلق عبيد بن الليث الزوج الشاب للمرأة حبي وعمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر وعبدالرحمن بن عديس ومالك الأشتر وطلحة بن الزبير ودخل مالك الأشتر إلى عثمان يقنعه بالتخلي عن الخلافة فأبي عثمان قائلا أن قميص الخلافة ألبسه الله إياه فقال الأشتر بل عبدالرحمن بن عوف فقال عثمان لو كان ألبسه ابن عوف لصاحبكم على أكنتم تخلعونه عنه فقال الأشتر إحقن دمهم ودمك ياعثمان فمعاوية بن أبي سفيان لن يأتي ولن يحرك بغلة لنجدتك وأبي عثمان :«والله لو صلبوني ما أخلع نفسي يا أشتر» وأطل عثمان من نافذته ونادي على الزبير بن العوام من بين الجموع فجاءه فألقي عثمان عليه لفافة وقال له هذه وصيتي لتحملها إلى أبيك وقل له احفظ عثمان في أهله، ثم تهافت سودان على الجمع صائحا في وجه ابن عديس يولومه فإن جيش معاوية على مشارف المدينة وأكد الأمر أيضا جبلة :«بل وصل جيش الشام ليحمي هذا الكافر منا»وهاهو عمرو بن الحمق يسحب سيفه من غمده صارخا في ابن عديس :«أنا ذاهب لعثمان لأقتله» وأيد سودان رأي ابن الحمق وكان هناك فريق من الفيوم وآخرمن بلبيس والصعيد معهم في المسجد فصاح عمرو بن الحمق وأنتم يا أهل الفسطاط هيا بنا إلى عثمان وهبوا مسرعين إلى عثمان قبل مجئ جيش الشام جيش معاوية وأخذ جمع الغاضبين يقذف بيت عثمان بالحجارة ويتحدي مروان حارس عثمان من يريدون اقتحام البيت ويتصدي له عبدالرحمن بن عديس أن يتنحي فرفض فدفع ابن عديس بالفتي ابن عروة الذي بارز مروان وقتله وبدأ المحاصرون يدهسون في لحوم وعظام المدافعين عن عثمان المتمترسين عند باب الدار وارتفع صوت ابن عديس محذرا إياهم وأبناء على والزبير وطلحة وكان ابن ملجم يتابع المشهد.
 وهاهو عثمان منكب على مصحفه يتلو القرآن بصوت خفيض ومطمئن وكأنه لايسمع صليل السيوف خارج داره ولا شرر الشر المتطاير من قلوب المتربصين به وسييفتكون به وصرف زوجته وطفلته مريم عنه وقال لنائلة أنه رأي في غفوته أنه سيفطر مع رسول الله وهو في الدار الآخرة وقد تملكه اليقين من أن محاصريه سيقتلونه ووصل محمد بن أبي بكر إلى غرفة عثمان بعد اقتحام داره فوجد عثمان وحيدا وتبع محمد بن أبي بكر كنانة وجبلة وسودان ويقفز كنانة ورفاقه السور إلى دار عثمان ويصل ابن أبي بكر الصديق إلى عثمان ويستفزه عدم اكتراث عثمان حيث ظل يتلو القرآن فأطاح ابن أبي بكر بعمامة عثمان وقبض على لحيته ليجبره على النظر إلى وجهه وقال له هل نفعك اليوم مروان ومعاوية وابن عامر وقد أردت الحياة فجئتك بالآخرة فقال عثمان ياقلبي على أبي بكر حين يعرف ماذا فعل ابنه في أخيه! فإذا بابن أبي بكر يخرج مسرعا بعدما هم بقتل عثمان حين استعاد شريط الذكريات معه منذ كان طفلا في حجر أبيه فيدخل كنانة لغرفة عثمان وركل المسند الخشبي للمصحف فألقاه بعيدا وظل يضرب كتف عثمان بالخنجرثم ترقوته ثم عنقه فينكفئ عثمان على جنبه ووصل جبلة حيث عثمان وكنانة ولم يوقن أن عثمان قد مات فطعنه بالرمح في صدره وخرج كنانة في الجموع صائحا قتلنا الكافر فيما وقف سودان على جثة عثمان وهو يقول والله لأقطعن عنقك ياكافر وحاولت ناءلة زوجة عثمان أن تحول دون عنق عثمان من سيف سودان فإذا بأصابعها تتطاير أمامها ثم ينجح العبد نجيح في قتل سودان وجاء جبلة فخلع عن عثمان قميصه ويقتله العبدالآخر صبيح الذي يموت أيضا ثم برك عمرو بن الحمق على فخذي عثمان وثبت ركبتيه على الأرض وأمسك سيفه بقبضتيه وهوي على صدر عثمان وبطنه يطعنه تسع طعنات.
 وتدفق كل خصوم عثمان والذين حاصروه أكثر من أربعين يوما وهم يرددون الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا نصر عبده وأعز جنده ووقف ابن عديس عند باب عثمان يشهد الجثث المسجاه هنا وهناك ويعبرها بخطواته حتي وصل لجثمان عثمان وقال :«ليس أسوأ مما فعلت لنا في حياتك ياعثمان إلا مافعلته لنا بموتك ودخل في أثره محمد بن أبي بكر وابن ملجم وفر كل من ينتمون لبني أمية من دورهم التي صارت مستهدفة.
 ويتوقف عيسي مجددا ومليا عند المرأة (حبي) التي تعلم نساء المدينة فن الهوي وكانت ممن علمتهن زوجةعثمان (نائلة) وتكررحضورها كزخرف ومنشط روائي داعم للهدف الروائي الرئيسي بالتماس غيرأن زوجها الشاب عبيد الليثي الذي يصغرها ورغم خبرتها الجنسية في المضاجعة يتركها لأنه سيشد الرحال إلى مصر مع محمد بن أبي حذيفة ومحمد بن أبي بكر الصديق وهاهي المرأة حبي بعد عودته إلى المدينة تفشل في أن تحول دون مشاركته الآخرين الغاضبين على عثمان وخروجه إليهم كما أنها تلعب دورا مهما في نهاية الرواية في إنقاذ نائلة وبناتها وغسل ودفن عثمان فكانت هي بطلة المشاهد.
والوقائع الأخيرة في الرواية حيث جهدت في دفع الناس ليدفنوه حتي قام بالمهة حكيم بن حزام صاحب المائة عام ومعه شبيه عثمان نعثل اليهودي والذي كان أعداء عثمان يشتمونه به فينادونه يانعثل فقد كانا متشابهان إلى حد كبير وكان يعاونهما في المهمة مطعم بن جبير، سامح الله ابراهيم عيسي فقد شق علينا بروايته هذه وأغرانا بإعادة قراءة تاريخنا المسكوت عنه والموثوق فيه مرة أخرى حتي لاتظل عقولنا علب وقلوبنا غلف وخائفة ومرتجفة تنأي عن المكاشفة والمواجهة