الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

-6- الماضى ... طريق الى المستقبل .... جيش مصر




-6- الماضى ...
   طريق الى المستقبل
جيش مصر فى عهد محمد على
تأسس منذ عام 1820.




الجيش هو الدعامة الاولى التي شاد عليها محمد علي كيان مصر المستقلة، ولولاه لما تكونت الدولة المصرية ولا تحقق استقلالها، وهو الذي كفل هذا الاستقلال وصانه.
وادرك محمد على ان ثروة البلاد والمحافظة على كيانها المالى من اكبر دعائم الاستقلال، لأن العمران مادة التقدم، والثروة الاهلية قوام الاستقلال المالى، ولايتحقق الاستقلال السياسى مالم يدعمه الاستقلال المالى والاقتصادى، لذلك كان اول ماهدف اليه فى سياسته اصلاح حالة البلاد الاقتصادية، وانشاء اعمال العمران لتنمو ثروتها القومية، وتتوافر الاموال اللازمة لانشاء المصانع وللتسليح وغيرها .
وقد تولى محمد على بنفسه تنفيذ هذه السياسة الحكيمة ، بعزيمة حديدية ، وبذل فى ذلك جهودا جبارة حتى خلف اعمالا ومنشئات يزدان بها تاريخه ، فشملت البلاد موجة من النهوض الزراعى كفلت لها الرخاء والاموال الطائلة التى امكن بفضلها تكوين والاحتفاظ بقوات عسكرية كبيرة .
وليس ادل على ماجنته مصر من ثروة ورخاء بفضل هذه السياسة الحكيمة من قول محمد محمد على للقنصل الفرنسى " ميمو " عندما انذره بتدخل اوربا :
(وتخطىء اوربا خطأ اخر بأعتقادها انى فى حاجة الى مال ، واكبر دليل على عدم صحة هذا الاعتقاد اننى لا ابيع محصول القطن ، مع انه من اهم موارد مصر ، وجنودى يقبضون مرتباتهم بأنتظام ، وانى لا اعقد قرضا ما فى بلاد ما ، ولست مدينا لأحد بشئ ) . هكذا كان محمد على، وهكذا كانت إدارته لمصر المحروسه، فهل آن الأوان لنبدأ؟
الجيش قبل محمد على :

كان مؤلفا من عناصر تميل بطبيعتها الى الشغب والفوضى، فمعظمها من الاكراد والالبان والشراكسة الذين يطلق عليها لفظة (باشبوزق ) اى الجنود غير النظاميين، ولم تكن لمثل تلك المجموعة المختلطة من الاجناس الغربية عن مصر الشعور القومى الذى يشعر به أبناء البلاد، وكان تنظيم هذه القوات خاضعا للانقلابات السياسية التى املتها الثورات فى الولايات العثمانية والمعارك والاختلافات التى الِفتها وإعتادت حياة المماليك عليها اثناء حكمها مصر.  ويضاف الى تلك القوات جماعات من الاعراب الذين كانوا يهددون الامن فى بعض الاقاليم ، ولم تكن هذه القوات فى مجموعها خاضعة لنظام عام او تدريب ثابت منسق ، وانما كانت اعمالها عبارة عن حرب عصابات.
رأى محمد على ان هذا الجيش لايُعتمد عليه فى تحقيق مشروعاته العظيمه لتأسيس مُلكه ، فبذل جهده فى انشاء جيش من الفلاحين ابناء البلد ، وقد اتيحت لمحمد على الفرصه ليشهد الجيوش الاجنبية فى قتالها ، فقد قاتل الفرنسيين فى معركة الرحمانية ، واستطاع ان يشهد نظامها الحديث ، وتكتيكاتها وقارن بين هذا وبين الحالة التى عليها الجيش ، فصمم على ان يستبدل جنوده غير النظامية بجيش على النظام العسكرى الحديث متى سمحت الفرصة لذلك.
مدرسة  اسوان الحربية :

بعد عام 1815 كانت حروب نابليون قد انتهت وسرحت جيوشة ، واصبح كثيرون من ضباطه بلا عمل ، فأستقدم محمد على منهم كثيرين واشهرهم سيف  SEVES  ولد في ليون وهو " سليمان باشا الفرنساوى " وهو المسمى على إسمه شارع ويدان سليمان باشا بالقاهرة.  
اخذ سليمان باشا الفرنساوى على عاتقه انشاء جيش مصرى حديث، فأستصدر امرا من محمد على باشا فى 8 اغسطس سنة 1821 بأنشاء مدرسة اسوان الحربية ، بدأ فيها بتعليم العدد الضرورى لتولى مهمة مهمة ضباط الجيش ، وجمع له محمد على لهذا الغرض الفا من شباب المماليك الذين تألفت منهم نواة الجيش المصرى. كما  الحق ابنه ابراهيم بهذه المدرسة ليتعلم كواحد من طلبتها ، وكان هذا من اكبر عوامل نجاح المشروع.
كانت حركة التجنيد قائمه على قدم وساق فى جميع  انحاء البلاد ، ولم يأت عام 1823 حتى تألفت الاورَط ( الكتائب) الست الاولى فى الجيش المصرى ، وعين الالف ضابط الذين تم تدريبهم بمدرسة اسوان الحربية ضباطا فى هذه الاورط .  
استمرت سياسة التجنيد والتعليم فى تزايد واتساع حتى وجد فى معسكر بنى عدى فى يوم من الايام المجيدة ثلاثون اورطة ( كتيبه ) بكل واحدة منها 800 جندى .
وقد برهن الجنود المصريون فى جميع المعارك الاولى التى اشتركوا فيها على انهم مقاتلون اكفاء من الطراز الاول ، وابدوا من البسالة والاقدام والصبر ماكان حديث المؤرخين ، وشهد به الاجانب والقناصل .
وقد اراد محمد على باشا ان يعرب عن تقديره لهم فأنعم بالميداليات الذهبية والفضية على كثير من جنود الالاى الثانى (اللواء) بعد عودته من حرب الحجاز فى اكتوبر 1826 تشجيعا لهم وتقديرا لبسالتهم ، وامر بأن يقيم الالاى فى القاهره ليكون حامية لها .
انشأ محمد على فى عام 1832 فى الخانقاه مدرسة البياده ـ هكذا أُطلق عليهاـ وذلك تبعا لمقتضيات التوسع فى الجيش ، وانتقلت بعد سنتين الى دمياط. 
مدرسة اركان الحرب :

انشئت هذه المدرسة فى 15 اكتوبر 1825 للدراسات العليا بقرية جهاد اباد بقرب الخانقاه بمشورة عثمان نور الدين افندى، وقام على تأسيسها الكابتن (جول بلانا ) الفرنسى ، واقيم للمدرسة بناء جميل ومنازل على النمط الحديث ، وكانت نواتها الاولى 18 ضابطا ، وكان بها بعض المدرسين الاجانب ، وكانت مدة الدراسة ثلاث سنوات ، ويعين خريجوها اركان حرب فى الوحدات الفنية فى الجيش .
مدرسة المدفعية بطره :

تأسست عام 1831 وانتخب لها 300 من خريجى مدرسة قصر العينى التجهيزية لدراسة فن المدفعية والتدريب على مختلف انواع مدافع الميدان والهاون ، وكانت المواد التى تدرس فى المدرسة هى الرياضيات والكيمياء والرسم والاستحكامات ولغة اجنبية واللغة العربية والتركية علاوة على فن المدفعية والمساحة . وقد وزع خريجوا هذه المدرسة على وحدات المدفعية بالجيش وخصص بعضهم للعمل بمدفعية الاسطول .
مدرسة السوارى بالجيزة :

انشئت فى الجيزة عام 1831 وعهد بها الى المسيو ( فاران ) الذى كان ضابط اركان حرب المارشال ( جوفيون سان سير ) وكان عدد طلبتها 200 من خريجى المدرسة التجهيزية وغيرهم ، ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات او اربع ، يتلقى فيها الطلبة فنون الفروسية وركوب الخيل واللغات علاوة على باقى العلوم العسكرية المتقدمة ، وكان لهم مدرب المانى اسمه (  الهر . م . بير ) لتدريبهم على فنون الفروسية .
مدرسة الهندسة العسكرية :

انشئت فى عام 1844 فى بولاق ، وكان طلبتها يتخصصون فى اعمال هندسة الترع والالغام والكبارى والطرق والاستحكامات


مدارس الوحدات .... محو الامية :

عنى محمد على بأمر تعليم جنود الجيش ، فألحقت مدارس بوحدات الجيش المختلفة والاسطول لتعليم القراءه والكتابة والحساب للجنود ، وكانت الحكومة تشجع المتفوقين منهم بترقيتهم قبل اقرانهم .
الصناعات الحربية :

رأى محمد على ان انشاء جيش مصرى حديث لايقام الا بأن يجد كفايته من السلاح والذخيرة والمعدات فى داخل البلاد ، لأن الاعتماد على جلب العتاد من الخارج يعرض قوة الدفاع الوطنى للخطر ، ويجعل الجيش والبلاد بأسرها تحت رحمة الدول الاجنبية التى تتحكم فى تموينه بهذه المستلزمات الضرورية لكيانه .
لذا هدفت سياسته الى انشاء مصانع الاسلحة فى مصر كى تكون مطالب الجيش منها متوفرة دواما ومناسبه لما يتطلبه التسليح.
ترسانة القلعة :

وكان اول ما اتجه اليه التفكير هو انشاء ترسانة القلعة لصناعة الاسلحة وصب المدافع ، وقد اتسمت ارجاؤها ولاسيما بعد عام 1827 ، وكان اهم مصانع الترسانه واكثرها عملا هو معمل صب المدافع الذى كان يصنع كل شهر ثلاثة مدافع ميدان او اربعة من عيار ثمانية ارطال ، وصنعت فيه مدافع الهاون عيار 8 بوصة وعيار 24 بوصة ، وكان يشرف على ادارة هذه الترسانة العظيمه احد ضباط المدفعية الاكفاء وهو اللواء ابراهيم باشا ادهم ، وقد اشتغل 900 عامل فى معامل الاسلحة وكانت تنتج فى الشهر الواحد من 600 الى 650 بندقية ، وكانت البندقية الواحدة تتكلف 12 قرشا مصريا .
لم يكتف محمد على بمصانع القلعة بل انشأ فى الحوض المرصود عام 1831 معملا لصنع البنادق بلغ عدد عماله 1200 ، وكان ينتج 900 بندقية فى الشهر الواحد على الطراز الفرنسى ، وقد انشىء مصنع ثالث للاسلحة فى ضواحى القاهرة ، وكانت المصانع الثلاثة تصنع فى السنة 36.000 بندقية عدا الطبنجات والسيوف .
ترسانة السفن الحربية بالاسكندرية :

لم يغفل محمد على عن ضرورة انشاء ترسانة لصنع السفن الحربية ومعدات الاسطول ، فأنشأ ترسانة بولاق لصنع السفن الكبيرة ، ثم اعقبها دار الصناعة الكبرى للسفن الحربية بالاسكندرية .
ولكى يمد محمد على باشا الجيش بكل حاجياته ، انشأ مصانع الغزل والنسيج بالخرنفش عام 1819 وبولاق ، وورش الحدادة المختلفة مصانع الجوخ فى بولاق للملابس ومصانع الحبال اللازمة للسفن الحربية والتجارية ، ومصنع الطرابيش بفوه، ومعمل سبك الحديد ببولاق ، ومصنع الواح النحاس والصابون ودبغ الجلود برشيد .

أيا ليت الزمان يعود يوما ...
لنخبره بما فعل السفهاء فينا..
ويقولون أن محمد على باشا كان يعمل لنفسه وليس لمصر.. ونسأل:
 هل كانت هناك فائده كبيره لمصر أم أنه جر عليها الخراب والدمار والعار؟
ألم تكن مصر حين ذاك أفضل حالا.. فقط لأن ولى أمرها كانت له رؤيه مستقبليه وكان يستعين بأهل الخبره والكفاءه؟ ولم يستعن بأهل الثقه التى طالما أودت بنا الى الهاويه؟
ألم يكن محمد على باشا مؤسسا لمصر الحديثه بالفعل؟ أم أن ذلك كان وهمٌ كبيرٌ؟.

المصادر
الجبرتى
مجلة المدفعية الملكية المصريه
نشيد الجيش المصرى فى عهد محمد على

وللجديد بقيه.