الأربعاء، 10 أكتوبر 2012

يوم يتحتم فيه على المسلم أن يختار بين أن يكون مسلما أو أن يكون إنسانا بقلم مهندس / محمد خليفه

هل يأتي يوم يتحتم فيه على المسلم أن يختار
 بين أن يكون مسلما أو أن يكون إنسانا".
إدفع تتلذذ, لا تدفع لا تتلذذ –  زواج الأطفال في الفقه القديم


بقلم مهندس / محمد خليفه

يقول سبحانه وتعالى:
"وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ ‏يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً".     الطلاق 4
آيه يتحدث عنها الكثير الآن ... وتبين الآية الكريمة أن على المرأة المطلقة ألا تتزوج فور طلاقها بل أن تنتظر فترة تتبين خلو رحمها.  يتطلب ذلك في حالة المرأة الحامل أن تنتظر حتى تضع حملها, كما يتطلب في حالة المرأة التي يئست من المحيض (أي التي توقفت عن الحيض لأى سبب ــ لكبر سنها مثلا ــ) أن تنتظر ثلاثة أشهر, وهي نفس الفترة التي يتوجب على المرأة التي لم يسبق لها المحيض أن تنتظرها.  نظر الأئمة العظام إلى هذه الآية وقرروا أن عبارة "أولات الأحمال" تعني النساء الحوامل, وأن عبارة "اللائي يَئِسْنَ من المحيض" تعني النساء كبار السن, وأن عبارة "اللائي لم يحضن" تعني الأطفال وفقط الأطفال.  وهنا المشكلة, مشكلة الأئمة العظام, إن "اللائي لم يحضن" لا تقتصر على الأطفال فقط،  وإنما تشمل كذلك نساء في العشرين من العمر, والثلاثين, بل والأربعين, والخمسين.  دعني أكرر, لا تقتصر الإشارة في عبارة "اللائي لم يحضن" على الأطفال وإنما تشمل أيضا نساء من كل الأعمار.  

 ولا يتطلب الأمر أكثر من مراجعة أي كتاب من الكتب الطبية لإدراك أن هناك نساء ولدت بدون مبيض أصلا، وبالتالي تنطبق عليها عبارة "اللائي لم يحضن", كما أن هناك نساء ولدت بدون رحم أصلا، وكذا تنطبق عليها عبارة "اللائي لم يحضن", كما أن هناك نساء ولدت بمشاكل في الهورمونات, أو الكروموزومات, أو غيرها من الاضطرابات التي تدخلها في زمرة "اللائي لم يحضن".  هناك كذلك, النساء المرضِعات اللائي "لا يحضن" ومنهم الكثير.   "فاللائي لم يحضن", بهذا الشكل, لا تشير فقط إلى الأطفال, وإنما تشمل "الأطفال", كما تشمل النساء اللاتي بلغن "سن اليأس", كما تشمل "المرضِعات" من النساء، كذلك من لا رَحِمَ لهن . لا يعني ذلك, أن الله قد أباح لنا أن نتزوج الأطفال. وبالقطع لم يأتي هذا التحريم في الآية التي نحن بصددها, وإنما يأتي, وبوضوح, في آيات أخرى من كتاب الله.   

يأتي ذلك في الآية الكريمة التي يربط فيها خالق الكون بين "بلوغ سن النكاح" و"بلوغ سن الرشد".  يقول سبحانه وتعالى:
{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً}  النساء. 6

تبين الآية الكريمة, كما هو واضح, أن هناك سنا للنكاح.  تبين الآية كذلك أن من علامات الوصول إلى هذه السن اتسام تصرفات الإنسان بالرشد.  أي أن الآية تبين ارتباط البلوغ بالرشد.  ونحن إذن, نتحدث عن أناس بالغين راشدين عقلاء يتحملون المسؤليه لا عن أطفال يا ساده.
 
يأتي ذلك, كذلك, في قوله جل وعلا:
"وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون" الروم: 21
تبين الآية الكريمة أن علاقة الزواج هي علاقة مودة ورحمة "تسكن" فيها المرأة إلى الرجل كما يسكن فيها الرجل إلى المرأة.  علاقة المودة, والرحمة, والسكن, هذه لا يمكن أن توجد بين طفلة في التاسعة من العمر وبعل في الأربعين من العمر, إن لم يكن في الستين.  العلاقة بين البعل والطفلة لا يمكن أن تكون علاقة تقوم على السكن, والمودة, والرحمة, وبالتالي لا يمكن أن تكون علاقة زوجية.  تخيل "بعلا" في الأربعين من العمر "يسكن" إلى "طفلة" في التاسعة من العمر!  أو تخيل طفلة في الخامسة من العمل "تسكن" إلى بعل في الخمسين من العمر.

يأتي ذلك, كذلك, في قول الله عز وجل:
"وإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا, وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا."  النساء, 20. 21
يأمرنا الله هنا بأنه إذا أراد الزوج أن يطلق زوجته ويتزوج بأخرى فإن عليه ألا يسترد منها ما كان قد أعطاه لها.  ويستنكر سبحانه وتعالى أن يأخذ الزوج شيئا من زوجته بعد أن أفضى كل منهما إلى الآخر وبعد أن أخذت منه ميثاقا غليظا.  يعني ذلك, أولا: أن "إفضاء" الزوج إلى زوجه وإفضاء الزوجة إلى زوجها ركن أساسي من أركان الزواج.   ليس الأمر, إذن, كما يخبرنا الأئمة العظام ــ من ألف سنه ــ الذين ذهبوا إلى إمكانية أن يتزوج الرجل من طفلة في الخامسة أو السادسة من العمر وإمكانية استعمالها جنسيا بشرط "ألا يفضي إليها".  يتناقض ما يخبرنا به الأئمة العظام, بهذا الشكل, مع ما يخبرنا به الله سبحانه وتعالى.  يعني ذلك, ثانيا: أن رباط الزوجية ينشئ "ميثاقا غليظا" بين الرجل والمرأة.  رجاء ملاحظة أن هذا الميثاق هو ميثاق من صنع الله سبحانه وتعالى.  لاحظ هنا أن الأئمة العظام جميعا قد تجاهلوا النظر فيما تعنيه عبارة "الميثاق الغليظ" ومروا عليها مرور الكرام قائلين إنها تعني أن على الرجال معاملة النساء بالمعروف ومفارقتهن بإحسان -  وكفى الله المؤمنين شر القتال.  لاحظ كذلك أن هذا "الميثاق الغليظ" لا يمكن أن يوجد في حالة العلاقة الجنسية بين البعل والطفلة.  كيف لطفلة في التاسعة من العمر أن ترتبط بالبعل بـ"ميثاق غليظ" وهي لا تعرف ما الموضوع أصلا.    يحتاج توقيع عقد بيع أو شراء إلى أن يكون الإنسان "بالغا راشدا", فكيف لا يحتاج توقيع عقد زواج إلى أن يكون الإنسان بالغا, راشدا.

دعني أعود, مرة أخرى, إلى الآية التي وردت في سورة الروم حيث يقول جل وعلا:
"وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون" الروم: 21

يخبرنا الله عز وجل أنه "خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها ــ نعم لنسكن إليها ــ وجعل بيننا مودة ورحمة".   العلاقة الزوجية بهذا الشكل، علاقة سكن,  ومودة,  ورحمة.  علاقة ترتبط فيها المرأة بالرجل والرجل بالمرأة بميثاق غليظ.  علاقة تكون فيها المرأة قطعة من نفس الرجل ويكون فيها الرجل قطعة من نفس المرأة, وكيف لا تكون قطعة من نفسه أو يكون قطعة من نفسها وقد خلقهما الله من نفس واحدة؟  ألم يقل سبحانه وتعالى أنه خلق لنا من أنفسنا أزواجا لنسكن إليها؟

إذا كان الله جل وعلا يخبرنا بأن العلاقة الزوجية علاقة مقدسة قام هو سبحانه وتعالى بـإجراءات "ترتيبها", فإن الأئمة العظام يخبروننا بشئ مختلف تماما.  يخبرنا الأئمة القدامى, رضي الله جل وعلا عنهم جميعا وأرضاهم، أن العلاقة الزوجية هي علاقة بين رجلين قام الأول منهما باستئجار "بُضْع" امرأة يملكها الرجل الثاني أو بشراء "البُضْع" مع بقية لوازمه من أرجل, وأذرع, وبطن, ورأس, أي بشراء المرأة بالكامل. 
ويسأل البعض ما البُضْع ومن المعجم العربى أجيب (ويقال: ملَك فلان بُضْع فلانة إِذ ملَكَ عُقْدة نكاحها، وهو كناية عن موضع الغِشْيان؛ وابْتَضَعَ فلان وبضع إِذا تزوّج. والمُباضعة: المُباشرة؛ ومنه الحديث: وبُضْعهُ أَهلَه صَدقةٌ أَي مُباشَرته.)
  "العملية", بهذا الشكل, هي عملية تجارية بحتة.   ينظر جمهور فقهاء أهل السنة والجماعة للأسف إلى عقد الزواج على أنه "كعقد الإيجار", على حين ينظر البعض القليل إليه على أنه عقد تمليك.  لا مجال هنا للمودة, والسكن, والرحمة, ولا مجال لميثاق غليظ, وبالطبع لا مجال لقطعة من نفسي وقطعة من نفسِك.  العملية تجارية بحت, والعقد عقد إيجار, والهدف هو توفير "بُضع" يمكن للرجل أن "يتلذذ" به طالما كان يدفع الإيجار. 

 (هذا هو السبب في إعفاء الفقه السني للمرأة من أي التزامات تجاه بيتها وأولادها.  ليس عليها المشاركة في نفقات المنزل (ليس المنزل منزلها), ليس عليها تنظيفه (ليس المنزل منزلها), كل ما هو مطلوب منها هو توفير "البُضْع أى المباشَره" للبعل.   في أي وقت.   حتى لو كانت على قُتب.  حتى لو كانت على التنور.  ممنوع أن تترك منزل البعل بدون إذنه حتى لو كان أبوها مريضا.   قد يحتاج البعل إلى استعمال البُضًع.   ممنوع أن تترك منزل البعل بدون إذنه حتى لو كانت أمها تحتضر.  قد يحتاج البعل إلى استعمال البُضْع.    لا بد عليها كذلك من إبداء اللهفة عند توفير البُضْع وإلا فالتأديب.  من حق البعل أن يؤدب حاملة البُضع إذا أبدت تثاقلا في تقديمه.  من حقه أن يجلدها ما لا يزيد عن عشر سياط.  ليس من حقه أن يؤدبها مستخدما "سيفا" أو "لُتّا" أو "مثقالا".  وإذا "تلفت" منه وهو يؤدبها تأديبا شرعيا لتثاقلها في تقديم البُضْع, فكل ما عليه هو أن يضع جثتها في الشارع - على أن يغطيها طبعا - وليس عليه من الأمر شئ.  لا شئ على الإطلاق.  ولا حتى ثمن الكفن.  بيت المال هو المُلزم بتوفير الكفن.  ليس عليه أجرة الطبيب, أو ثمن الدواء إذا مرضت, حيث إن البُضع غير متاح.  ليس عليه نفقتها إذا ذهبت للحج – بإذنه – حيث إن البُضع غير متاح.  وفي المقابل, بالطبع, إذا فقد عمله, أو بارت تجارته, أو عجز لسبب أو آخر عن دفع تكاليف المنزل فإن من حق حاملة البُضْع الطلاق فورًا – على الواقف – حيث إن البعل لم يدفع "الإيجار".   العلاقة علاقة تجارية بحته.  إدفع تتلذذ, لا تدفع لا تتلذذ.
هذا هو ما كان عبد الوهاب المسيري يحذر منه عندما قال : ـــ "أخشى أن يأتي يوم يتحتم فيه على الإنسان المسلم أن يختار بين أن يكون مسلما أو أن يكون إنسانا".