الاثنين، 22 أكتوبر 2012

فقه البالوعات والانحطاط .. بقلم المستشار/أحمد عبده ماهر محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي




فقه البالوعات والانحطاط
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي

ظهر الأخ/ياسر برهامي بالتلفاز مع المذيع وائل الإبراشي في برنامج العاشرة مساءا على قناة دريم، وكان موضوع الحلقة عن مطالبة السلفية وممثليها بالدستور، أن يتم تقليل سن زواج الفتاة حتى التاسعة من العمر، ودار النقاش حول إمكانية تزويج الفتيات الصغار اللائي لم يحضن وجواز ذلك عند الفكر السلفي المأفون.
ومما لم يعجبني أن البرنامج استعان بمن لا يستطيعون الرد على هذا الرجل، فالرجل يقول ويستشهد بقول الله جل وعلا: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً }الطلاق4.
فقال بأن تعبير [وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ] الوارد بالآية يعني الصغار دون الحلم، وزعم بأن هذا دليل من القرءان على جواز تزويج الصغيرة التي لم تحيض، وأنا أضيف أيضا بأن كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني الجزء التاسع صفحة 27 يذكر:       [ وقال ابن بطال: يجوز تزويج الصغيرة بالكبير إجماعا ولو كانت في المهد ]؛ فأي إجماع هذا إلا إن كان إجماع سفك عذرية البنات الصغار بزعم أنه زواج.
وفي مصيبة سلفية أخرى، قد جوّز شريح وعروة وحماد لوالد الصغيرة تزويجها قبل البلوغ وحكاه الخطابي عن الإمام مالك أيضا.....راجع شرح النووي لصحيح مسلم الجزء التاسع صفحة 206. طبعة الريان الذي طبعته المطابع الأميرية بحكومة مصر وبموافقة صريحة من الأزهر.
فهل من الإسلام أو الرجولة تزويج الصغيرة قبل أن تبلغ؟، بل ذكر النووي في باب جواز تزويج الصغيرة [...وهذا صريح في جواز تزويج الأب الصغيرة بغير إذنها، لأنه لا إذن لها...] (المرجع السابق) ....فما رأيكم بثوابت الأمة ومناهج الأزهر؟.
فإن كان ما نُسب للأئمة صحيحا، ومن ينقلون عنهم آكدون من صحة ذلك الفقه، فهل هؤلاء قوم يعقلون حتى نسميهم فقهاء أو نقول سلفية أو ننقل عنهم أو نحافظ على كتاباتهم؟، أيمكن أن تُزَوّج من كانت بالمهد!، ومنذ متى كان الإسلام كذلك؟، وكيف يسمح الأزهر لهذا الهطل الفكري والعته الفقهي أن يكون شريعة يتم تدريسها بالأزهر؟، بل كيف يسمح أن ينسب هذا للإسلام؟، أظنه كان عادة القوم واعتبره الجُهّال شريعة وفقهًا؛ ثم بتواتر الأجيال مع عدم التفكير ظنه البعض شريعة وراحوا يروجونه على انه دين، ثم من مصيبة المصائب أن يعهد لمثل هؤلاء المغبونين صياغة الدستور.
ومن عجيب دسائس فقه الجهل القديم أنهم قالوا بأنه يجوز تزويج الصغيرة ولو كانت بالمهد لكن لا يطأها زوجها إلا أن تطيق الوطء، لكن يمكنه الاستمتاع بها ومفاخذتها، وظنوا بأن هذا الفقه والفكر هو عين الفهم بكتاب الله، وما أراه إلا عين الضلال.
وصال الرجل وجال بالبرنامج التليفزيوني وقال بأنه لا يقول رأيا ولا تفسيرا إنما هو يقرأ قرءان وليس له معنى واضح إلا جواز تزويج الصغيرة التي لم تحيض، لذلك رأيت أن أرد عليه وعلى الأزهر الذي يحمي هذا الفقه ويروج له وهو يدعي الوسطية ويزعمها، فنقول وبالله التوفيق ما يلي:ـ
1.  لا يجوز عندنا في أصول فقهنا وليس أصول فقه الشافعي، أنه للحصول على حكم شرعي أن نحصل عليه من آية أو جزء من آية فهذا ضلال، لكن كي نحصل عليه فيجب أن نضع كل الآيات التي تناولت هذا الأمر بالقرءان، ويتم استخراج الحكم من مجموعها، ويقع خطأ محاولة استخراج حكم من آية واحدة أو لفظ واحد، فذلك عندنا نسميه الموضعية بينما أنا أطلب وأنشد الموضوعية التي بها يتم استخراج الأحكام.
2.  يقول تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيباً }النساء6؛ فتعبير [حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ] تعني وجود سن لبلوغ النكاح ولا تعني أبدا بأنه يتم تزويج الأنثى لأنها أنثى بأي سن.
3.  ويعني تعبير [فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً] بأنه ليس كل من بلغت سن النكاح تكون راشدة، فسن الرشد أكبر من سن بلوغ النكاح في أغلب الأحوال؛ فهل يتزوج المرء أنثى بالغة وغير راشدة!!..
4.  أن الآية التي يستشهد بها السيد/ياسر برهامي ومن يشايعونه من عديمي الفقه الديني إنما تتناول أمرين هامين، الأول هو تعبير [إِنِ ارْتَبْتُمْ] والثاني هو تعبير[أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ] بما يعني بأن اللائي لم يحضن وأولات الأحمال، أي هذين الفريقين، أجلهن في عدّة الطلاق أن يضعن حملهن، بما يعني بأن المرتابة لأنها لم ترى دم الحيض أجلها أن تضع حملها، فالمرأة بأول حملها تكون متشككة بأمر حملها لتأخر الدورة الشهرية عنها، فذلكم هو معنى [إِنِ ارْتَبْتُمْ] وعلاقته بتعبير [أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ] مع أولات الأحمال؛ لأنها بالتأكيد ستكون حاملا ولذلك تأخرت عنها دورتها الشهرية فلم تحيض.
5.  وبما يعني أيضا بأن سن بلوغ النكاح الوارد بآية سورة النساء المذكورة بالبند رقم (1) هو وجود الدورة الشهرية لدى الأنثى فذلك هو سن الزواج المعتبر عند الله. وهذا لا يمنع أن هناك إناث لا تحيض أصلا وذلك لعيوب خلقية بالرحم أو بالمبايض وهو أمر معلوم لأهل الطب فهذه تتزوج في سن الرشد وليس في سن البلوغ لأن هناك فرق بينهما كما أسلفنا وكما أشار القرءان.
6.  وحتى تزيد الفائدة نذكر قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور58...........فهذا هام في أن الله لا يحب أن يطلع الذين لم يبلغوا الحلم على العورات، فكيف بالله عليكم سيقوم رجل فحل ذكر بالاستمتاع بطفلة لم تبلغ الحلم، بزعم أنه تزوجها، إلا إن كان جاهلا يبارز القرءان بجهله.
7.  لا يجوز الاحتكام للحديث النبوي القولي على أنه شريعة تستقى منها الأحكام، لأن علماء الحديث قالوا بأن حكم الأحاديث القولية الموجودة بكتب الصحاح أنها [ظنية الثبوت وظنية الدلالة]، فكيف بالله عليكم تستخرجون أحكاما قطعية من أحاديث ظنية!!؟.
8.  لا يجوز الاحتجاج بما ورد بالبخاري ومسلم من أن النبي تزوج السيدة عائشة وهي بسن ست سنوات ودخل عليها وهي تبلغ من العمر تسع سنوات، فهذه مرويات تافهة أتى بها كتابي البخاري ومسلم وضعها من وضعها ونسبها لعلماء الأمة وجامعوا الأحاديث ليطعن في شرف النبوة، وهناك دراسات إحصائية وفقهية تؤكد فساد تلك المجموعة من الأحاديث التي تزعم تزوج النبي بطفلة في السادسة من العمر، ليس مكانها أن أسردها الآن حتى لا أطيل على القارئ. 
9.   يجب التفريق بين النفي بـ ( ما ) والنفي بـ ( لم ) فالأولى تستخدم للإطلاق والثانية تستخدم لنفي المرّة الواحدة، فقوله تعالى ( لم يحضن ) لا تعني أنهن لم يسبق لهن الحيض على الإطلاق بل يذهب المعنى الى عدم حيضهن لسبب عارض بخاصة وأنهن معطوفات على من بلغن سن اليأس وكن قبل ذلك يحضن .
 
ولو كان الأمر كما فهم بعض السلفيون لاستخدم القرآن أداة ( ما ) التي تنفي الحدث على إطلاقه . كقوله تعالى ( .. قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء .. ) يوسف: 51 والله تعالى أعلى وأعلم وربنا يهدي الأزهريين والسلفيين على السواء
من جماع ما تقدم أدعو السيد ياسر برهامي وأبناء الفكر السلفي أن يعلموا بأنهم ضحية الدس بمراجع يظنونها إسلامية، وهم ضحية فتنة عدم فهم كتاب الله، وأدعوهم أن يتوبوا هم وكل رجال الأزهر أن يذكروا ذلك الهبوط الفقهي على أنه مرامي آية كتاب الله بسورة الطلاق وليستغفروا الله عن محاولاتهم فتنة الأمة والعبث بدستورها الوليد.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض ومحكم دولي وكاتب إسلامي