الأربعاء، 17 أبريل 2013

أكذوبة الجزية بقلم المفكر الإسلامى / عدنان الرفاعى




أكذوبة الجزية

بقلم المفكر الإسلامى / عدنان الرفاعى




الجزء الاول

الظلم أمرٌ يتناقض مع منهج الله تعالى ، لأنَّ منهج الله تعالى نور ، والظلم ظلام .. والظلام ليس إلاَّ مجرّد دليلٍ على عدم وجود النور ..
ويتجلّى الظلم بأبشع صوره حينما يمارسه الظالم تحت مظلة منهج الله تعالى ، ناسباً ظلمه لله تعالى ومنهجه .. هذا ما نراه في مسائل تكفير الآخرين وقتلهم لأنهم آخرون ، وفي فرض الجزية ( حسب المفهوم التاريخي ) عليهم نتيجة عدم اعتناقهم للإسلام ..
وهذا الظلم في تكفير الآخرين وفرض الجزية ( حسب المفهوم التاريخي ) عليهم ، هو في الدرجة الأولى إساءة لمنهج الله تعالى ، وافتراء على الله تعالى ، وبعد ذلك هو ظلمٌ للبشر واستعبادٌ لهم دون حق ..
سنتناول – بإذن الله تعالى – المفهوم التاريخي للجزية ، لنرى كيف أنَّه افتراءٌ على الله تعالى ومنهجه ، وأنَّه نتيجة جعل الأهواء والشهوات والأحلام السياسية ديناً يُنسَب ظلماً إلى منهج الله تعالى .. والآية الكريمة التي يحتجون بها في الجزية بمفهومها التاريخي هي ..


 وسنبدأ بتفسير هذه الآية الكريمة بتبيان مفهوم القتل في كتاب الله تعالى ، كون هذه الآية الكريمة تبدأ بكلمة : ( قاتلوا)..
دلالات الجذر اللغوي ( ق ، ت ، ل ) في كتاب الله تعالى تدور في إطار محاولة القاتِل بإخراج المقاتَل من ساحة وجودِه ، إخراجاً نهائيّاً لا يعود بعدها إلى هذه الساحة .. فالقتل يحمل – ممّا يحمل من معنى – مفهوم إخراج المقتول من عالم الدنيا ، بمعنى هو استعمال وسيلة لإنهاء حياة إنسان ، بحيث لا يعود إلى حياته الدنيا بعد قتله أبداً ، ولذلك نرى أنَّ القتل يُعطَف على الموت ..




.. فالقتل يحمل – فيما يحمل من دلالة – معنى الموت بأداة ووسيلة يقوم بها القاتل .. وهذا معلوم ولا خلاف فيه ..
.. ومفهوم قتل النفس في كتاب الله تعالى ، يكون وفق أمرين اثنين :
1 – القتل الذي يؤدّي للموت ، بمعنى اتخاذ وسيلة لإزهاق النفس وإخراجها من جسدها خروجاً نهائيّاً لا تعود فيه إلى عالمها ، بمعنى لا تعود لجسدها الدنيوي نهائيّاً ..



2 – القتل الذي يؤدِّي لخروج النفس من الحالة التي هي فيها ، خروجاً نهائيّاً لحالةٍ أُخرى لا تعود فيها إطلاقاً إلى حالتها الأولى ..
  يقول تعالى ..



 
.. للأسف ذهبت معظم تفاسيرنا الموروثة في تفسير العبارة القرآنيّة : (فَاقْتُلوا أنفُسَكُمْ)... بأنَّها تعني : أن يقتل كلُّ واحد منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن ، وقالوا عن قوم موسى : فأخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة .. هكذا فسّروا لنا هذه العبارة القرآنيّة ..
.. لكن ما نراه في هذه الآية الكريمة أنَّ العبارة القرآنيّة : (فَاقْتُلوا أنفُسَكُمْ)... تأتي بعد العبارة القرآنيّة : ) فَتُوبوَا إلـى بارِئِكُمْ ( ، والفاء في كلمة :) فَاقْتُلوا ( تجلّي هذا الترتيب :) ) فَتُوبوَا إلـى بارِئِكُمْ  فَاقْتُلوا أنفُسَكُمْ ( ، وهذا ينفي تماماً مفهوم القتل الذي ذهبت إليه التفاسير الموروثة من طعن بالخناجر لبعضهم ليصبحوا موتى ، فعند حصول التوبة ) فَتُوبوَا إلـى بارِئِكُمْ ( يصبحون مؤمنين ، وبالتالي فالخطوة التالية بعد هذه التوبة هي خروج أنفسهم من حالة الظلم نتيجة اتخاذهم العجل ، خروجاً نهائيّاً إلى حالة تنزيه الذات الإلهيّة عن أيِّ شرك ، تنزيهاً لا يعودون فيه إطلاقاً إلى حالتهم التي اتخذوا فيها العجل .... وهذا ما تؤكِّده العبارات التالية مباشرة :

.. أمّا قول التفاسير الموروثة بأنَّ العبارة القرآنيّة ) فَاقْتُلوا أنفُسَكُمْ ( تعني : أن يقتل كل واحد منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن ، وأنّهم أخذوا الخناجر بأيديهم وأصابتهم ظلمة شديدة فجعل يقتل بعضهم بعضاً فانجلت الظلمة عنهم وقد جلوا عن سبعين ألف قتيل كل من قتل منهم كانت له توبة وكل من بقي كانت له توبة .. هذا القول تنقضه الصياغة اللغويّة لهذه الآية الكريمة ، وينقضه العقل والمنطق ، ورح المنهج الإلهي ..
.. ولننظر في النصِّ التالي ..





.. هنا العبارة القرآنيّة ) ثُم أَنتُمْ هَـؤلاءِ تَقْتُلونَ أنفُسَكُمْ  ( تعني القتل بمعنى الموت .. فهذا العبارة القرآنيّة تقابل عبارة في الآية السابقة : )لا تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ) ، كما أنَّ العبارة : ) وتُخْرِجون فريقاً منكم من ديارهم تَظَاهَرون عليهِم بالإثم والعُدوان)  تقابل في الآية السابقة العبارة )ولا تُخرجون أنفسكم من دياركم )  
فمعنى القتل هنا والمتعلّق بسفك الدماء عرفناه من سياق النص .. فمن سياق النصّ المحيط بمشتق من مشتقات الجذر ( ق ، ت ، ل ) نحدِّد الدلالة المعنيّة في هذا النص ..
وهذه الآية الكريمة تؤكِّد لنا أنَّ القتل في النصِّ السابق لا يعني سفك الدماء وقتل أنفسهم بالخناجر كما ذهبت تفاسيرنا الموروثة .. فالله تعالى أخذ ميثاق بني إسرائيل ألاَّ يقتلوا أنفسهم قتل سفك الدماء: (وإذ أخذنا ميثاقكم لا تَسفِكون دمآءَكُم )  ، وبالتالي فلن يأمرهم الله تعالى بأن يقتلوا أنفسهم قتل سفك الدماء .. من هنا تتبين معنا – إضافة لما بيّنا من أدلة – أنَّ القتل المعني في قوله تعالى :


 ، هو إخراج النفس من الحالة التي هي فيها ( من اتخاذٍ للعجل ) خروجاً نهائيّاً لحالةٍ أُخرى ، لا تعود فيها النفس إطلاقاً إلى حالتها الأولى ..    
.. هذا المعنى للقتل نراه أيضاً في النصِّ التالي ، الذي يخاطب قوم النبيِّ محمّدٍ r ..



.. ما نراه أنَّ فعل قتل النفس هنا : ) أقتلوا أنفسكم  ( في حال حدوثه يؤدّي إلى نتيجة هي :


 

 وهذه النتيجة لها تعلُّقها بالحياة الدنيا قبل الممات ، فالتثبيت والهداية هي مسائل لها علائقها في الحياة الدنيا ..
إذاً .. قوله تعالى : ) اقْتُلوا أنفُسَكُمْ ( يعني : أخرِجوا أنفسكم من حالة العصيان التي أنتم فيها ، إلى حالة العبادة الصادقة المخلصة ، التي لا عودة فيها إطلاقاً لحالتكم التي أنتم فيها ..
.. لذلك فكلمة )Ÿقتال ( ليست محصورة بالجهاد بالسيف ، إنّما تعني أيضاً الجهاد بالكلمة والحجّة والبرهان لإخراج الآخرين من حالة الظلام التي يغرقون فيها إلى حالة النور الذي لا يعودون فيها إلى حالة الظلام نهائيّاً .. ولذلك نرى أنَّ كلمة ) قِتال ( تتعلَّق في كتاب الله تعالى،  بالله سبحانه وتعالى ..



.. فلا يمكن لعاقل أن يتخيل العبارة القرآنيّة ( قاتلهم الله )  أنّها تعني حَمْلَ الله تعالى لسيفٍ يقاتل هؤلاء فيه في معركة حسيّة .. إنّما تعني أنَّه بسبب جحودهم أخرجهم الله تعالى من ساحة الهداية إلى ساحة الضلال ، خروجاً لا يعودون بعده إلى ساحة الهداية ..
.. إذاً كلمة قاتل  ليست محصورة أبداً بجانب القتال الحسي في معركة يحاول فيها المقاتِل أن يجعل الآخرين من الموتى ، فدلالاتها واسعة ، ونعرف الدلالات التي تحملها في كلِّ نصٍّ من خلال السياق القرآني المحيط بها .. مثلاً في الآية الكريمة التالية ..





نهاية الجزء الأول