الأحد، 11 يونيو 2017

الدولة العباسيه وتاريخ الفقه الإسلامى ج 2 كتبه/ طارق عبد الحميد

الدولة العباسيه وتاريخ
الفقه الإسلامى
ج 2
كتبه/ طارق عبد الحميد   



الخلافة العباسية في عهد هارون الرشيد....
تُعْتَبَر خلافة هارون الرشيد بداية عصر القوة في الدولة العباسية، ويشمل ذلك العصر خلافة ابنه المأمون، ثم المعتصم بن الرشيد، فالواثق بن المعتصم؛ حيث تميز هذا العهد بقوة السلطة المركزية، وبالتنظيمات الإدارية، والإصلاحات. كما تميز أيضًا بالفتوحات العظيمة، وارتفاع شأن الخلافة الإسلامية، وصارت القوة العظمى الوحيدة في العالم، وخضوع أقاليم الدولة لسيادتها - ما عدا الأندلس التي تمكن عبد الرحمن الداخل من الوصول إليها، وإقامة خلافة أموية هناك، ولم يستطع العباسيون المساس بجنابها، وإِن حفل هذا العصر - عصر القوة - بعديد من الثورات التي استطاعت الخلافة القضاء على أكثرها، واستمر بعضها طوال عهد الدولة العباسية، كما جرى فيه صراع داخلي كبير على السلطة بين الأخوين: الأمين والمأمون وليي عهد الرشيد، وجرت بينهما الحرب التي أسفرت عن مقتل الأمين الذي اعتمد على العرب، وانتصار المأمون الذي اعتمد على الفُرس، وتولِّيه الخلافة
 العصر العباسي الأول...
  من أهم مميزات العصر العباسي الأول
 سيطرة شبه كاملة للفرس على الجهازين العسكري والإداري وذلك  عندما قامت الخلافة العباسية كان للفُرس اليد العليا في قيامها وخاصة الخراسانيين، وقد سنحت الفرصة لهؤلاء للاستئثار بالسلطة وتولي الحكم، وساعد على ذلك شدة ميل العباسيين إلى الفرس، وإيثارهم بالمناصب المدنية والعسكرية، وقد أثار ذلك كراهية العرب كالعاده، ودَبَّ في نفوسهم دبيبُ الكراهية لهم وللفرس الذي استأثروا بالسلطة دونهم، لممالأة العباسيين لهم واعتمادهم على ولائهم، فقامت الفتن والثورات في البلاد الإسلامية.
  وكان من أثر ذلك الميل الذي أبداه العباسيون نحو الفرس وتلك الرعاية التي حاطوهم بها، أن أصبح نظام الحكم عند العباسيين مماثلاً لما كان عليه في بلاد الفرس، قال "بالمر" في كتابه "هارون الرشيد": "ولما كان العباسيون يدينون بقيام دولتهم للنفوذ الفارسي، كان طبيعيًّا أن تسيطر الآراء الفارسية؛ ولهذا نجد وزيرًا من أصل فارسي على رأس الحكومة، كما نجد أيضًا أن الخلافة تدار بنفس النظام الذي كانت تدار به إمبراطورية الفرس". كما اتخذ الخلفاء الموالي من الخراسانيين حرسًا لهم لاعتمادهم على ولائهم وإخلاصهم، واستبد هؤلاء الخلفاء بالسلطة، وتسلطوا على أرواح الرعية كما كان يفعل ملوك الفرس من قبل، وظهرت الأزياء الفارسية في البلاط العباسي.
 وطبيعي أن يميل العباسيون إلى الفرس، الذين ساعدوهم على تأسيس دولتهم، وقاموا في وجه أعدائهم الأمويين، وإن مثل هذا الميل إلى الفرس، وتلك الكراهة التي أضمرها العباسيون للأمويين لتتمثل في تلك الخطب التي ألقاها داود بن علي وأبو جعفر المنصور وغيرهما، يشيدون فيها بمآثر الفرس، وما بذلوه من جهود في سبيل قيام الدولة العباسية    
وكان الوزراء في العصر العباسي الأول يتجنبون تسمية أنفسهم باسم "وزير"، ولكن هذا لم يمنع الوزراء من الإقبال على اكتساب الألقاب المنسوبة إلى الدولة، مثل: عماد الدولة، وعِز الدولة، ورُكن الدولة. وكانت الوزارة أيام العباسيين ضعيفة أمام قوة الخلافة، قوية كلما ضعفت الخلافة؛ لذا تطرق الفساد إلى منصب الوزارة في عهد الخليفة المقتدر 295-  320 هـ/ 908- 932م لاتباعه سياسة خرقاء في تعيين وزرائه وعزلهم.
وكان لانبساط رقعة الدولة العباسية ووفرة ثروتها، ورواج تجارتها أثر كبير في إنشاء نهضة ثقافية لم يشهدها الشرق من قبل، حتى لقد بدا أن الناس جميعًا من الخليفة إلى أقل الأفراد شأنًا غدوا فجأة طلابًا للعلم، أو على الأقل أنصارًا للأدب. وفي عهد الدولة العباسية كان الناس يجوبون ثلاث قارات سعيًا إلى موارد العلم والعرفان؛ ليعودوا إلى بلادهم كالنحل يحملون الشهد إلى جموع التلاميذ المتلهفين، ثم يصنِّفون بفضل ما بذلوه من جهد متصل هذه المصنفات التي هي أشبه شيء بدوائر للمعارف، والتي كان لها أكبر الفضل في إيصال هذه العلوم الحديثة إلينا بصورة لم تكن متوقعةً من قبل.  ومما إسترعى نظر الباحث في تاريخ الثقافة الإسلامية أن السواد الأعظم من الذين اشتغلوا بالعلم كانوا من الموالي، وخاصة الفرس، وكانت اللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة للتفاهم بين المسلمين إلى أن أزال المغول الخلافة العباسية من بغداد في القرن السابع الهجري. 


ليست هناك تعليقات: